قالت: لست فاهمة.
قال: معذرة، إنما أعني أن من السهل أن أذهب إلى مولانا راتب وأقول له: اسمع يا صاحبي! لقد كنت عنيفا، واسمح لي أن أقول: سليطا طويل اللسان، مع صديقتي محاسن، من أجل غلطة تافهة ميسورة التدارك، وأنا لا أسمح لإنسان أن يخاطبها بهذه اللهجة التي تفرق الشعر الجميل المسدل على أذنها الصغيرة وتجرحها، فعجل بالاعتذار إليها، والتمس الصفح منها، واجث على ركبتيك بين يديها، فإن فعلت فإني أعدك أن أعينك على تألفها من نفرتها، وإلا فأنت الجاني على نفسك، يا «براقش» هذا العصر، وبعد أن أفرغ في كلتا أذنيه هذه الخطبة البليغة ...
فضحكت محاسن وقالت: عفوا وشكرا؛ ما يدريني ويدريك؟! لعله أصم ...
فقاطعها وهو يلوح بيمناه: إذن نهمل مولانا راتب، ولا نعني أنفسنا بتهذيبه وإصلاحه، الحق معك، فإنه ليس أهلا لكل هذا العناء، ولقد ساورتني الشكوك من زمان طويل؟ ولكني كنت أشفق عليه وأقول لنفسي: مهلا يا نسيم، إذا كنت ستنفض يدك منه فمن ذا غيرك يتولى إصلاحه؟! على كل حال ...
فقالت محاسن: اسمع، إني أرجو ألا تشغل نفسك بهذا الأمر؛ فقد انتهى، وكان ما كان، ولن أعدم وظيفة في مكان ما.
قال: وما حاجتك إلى وظيفة وأنت موظفة؟! يخيل إلى من يسمع كلامك أنك عاطلة!
قالت: ولكني طردت، فكيف أكون موظفة؟
فهز رأسه وهو يبتسم ثم قطب وقال: ومن هذا الذي يجرؤ أن يطردك وأنا حي أرزق؟!
فوضعت يدها على يده وقالت: خلنا في الجد، أرجوك.
قال: وهل أنا أهزل؟! ألا تعلمين - أم تراني نسيت أن أخبرك - أنك مستشارة خصوصية لي؟ لقد كنت أظن أن الواقع من الأمر يغني عن التبليغ الرسمي.
صفحة غير معروفة