فاعتذرت، وأسفت لأنها قالت ما يمكن أن يحمل على هذا المحمل.
وألفاها بعد ذلك أكثر جدا وتحرزا في الكلام، وقل ضحكها، وبدت كأنما يدور في نفسها شيء، وصارت تصمت، وتنطوي على نفسها، فتزداد جمالا وفتنة، وبعدا أيضا.
وأحس محمود أن هذا جانب لم يكن يتكشف له من قبل، وأشفق أن تظل ناحية من نفسها محجوبة عنه مزوية عن عينه، لا يطلع عليها ولا يستطيع أن ينفذ إليها.
ورافقها ذات ليلة إلى البيت بعد أن شهدا معا رواية سينمائية وكانت يدها في يده، لم تتخل عنها وهي تفتح الباب، كأنما تدعوه بذلك إلى الدخول فقال: أخشى أن نزعج ماما (يعني أمها).
فقالت: لا تخف، ولا تخافت بكلامك، فإن نومها ثقيل.
ودخلا، فقالت وهي تخلع معطفها: لقد قابلت ماما (تعني أمه هو) اليوم في متجر.
فسبقه لسانه وسألها: ماذا كان منها؟ ألم تكن لطيفة معك؟
قالت نعم؛ فإنها سيدة مهذبة، ولكنها يا محمود لا تحبني، ولا ترضى عني، لا أدري لماذا؟ ولا أعرف كيف أفوز برضاها وأكسب حبها؟ مشكلة!
ونحت وجهها كأنها تستحي أن تنظر إليه، أو تخشى أن تقرأ في وجهه مصداق كلامها، وهي تقول ذلك.
فجذبها من ذراعها، وطوقها، فلم تلن له، وانثنى رأسها على صدرها، ورأى عينيها مغرورقتين، فلثم جفونها وخديها وشفتيها وجبينها، وجعل يهمس: إن أمي لا يسعها إلا أن تحبك، لا مفر من ذلك، إنما يخيفها غناك وفقرنا، ولكن هذا لا قيمة له، فما لنا بمالك شأن، ولن أتخلى عنك أبدا.
صفحة غير معروفة