وفي رستاق الاتفاق في ملح شعراء الآفاق لابن المبارك الامام:
حدثنا سفيان عن جابر ... عن خالد عن سهل الساعدي
يرفعه من مات عشقًا فقد ... استوجب الأجر من الماجد
وأما الآثار فكثيرة لا تكاد تحصى ولكن نورد ألطفها كم هو شأننا فمن ذلك ما روى عن المهدي قال: أشتهي أن أصلي على جنازة عاشق مات في الحب وكان شريح يكثر الجلوس في الطرقات ويقول لعلي أرى صورة حسنة وكان ابن الليث قاضي مصر يكتب في فتيًا فسمع جارية تقول:
ترى في الحكومة يا سيدي ... على من تعشق أن يقتلا
فرمى القلم من يده وهو يقول: لا. وعن ابن عباس الهوى إله معبود فقيل له أتقول ذلك فقال نعم أليس الله تعالى يقول أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وقال العباس بن الأحنف:
ويح المحبين ما أشقى جدودهم ... إن كان مثلي الذي بي للمحبينا
يشقون في هذه الدنيا بعشقهم ... لا يدركون بها دنيا ولا دينا
يرق قلبي لأهل العشق إنهم ... إذا رأوني وما ألقى يرقونا
وله أيضًا:
أيها النادب قومًا هلكوا ... صارت الأرض عليهم طبقا
أندب العشاق لا غيرهم ... إنما الهالك من قد عشقا
وأخرج ابن الحسين الجاذري عن معن بن عيسى قال دخل ابن سجنون على مالك فقال يا إمام اجعلني في حل من أبيات قلتها فيك فقال وقد ظن أنه هجاه أنت في خل من ذلك فأنشد الأبيات بين يديه وهي:
سلوا مالك المفتي عن اللهو والغنا ... وحب الحسان المعجبات الفوارك
ينبئكم إني مصاب وإنما ... أسلي هموم النفس عني بذلك
فهل في محب يكتم الحب والهوى ... أثام وهل في ضمة المتهالك
فضحك وقال لا إن شاء الله وأظرف من ذلك ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن الربيع بن سليمان قال دخل شاب على الشافعي برقعة فوقع فيها بعدما نظر وناوله إياها فتبعته على أنها فتيًا أكتبها فإذا هي:
سل العالم المكي هل في تزاوره ... وضم المشتاق الفؤاد جناح
فكتب تحته:
أقول معاذ الله أن يذهب التقي ... تلاصق أكباد بهن جراح
فأنكرت كتابته مثل هذا الشاب وذكرته له فقال أنه هاشمي وقد دخل بعرسه في هذا الشهر يعني رمضان فسأل عن الضم والتقبيل هل يفسدان الصوم فقلت له لا قال الربيع فعاودته فإذا الأمر كذلك فعجبت من فراسته وحكى في الأصل عن ابن حجر قال أخرج أبو نعيم أيضًا عن ابن سيرين أنهم كانوا يعشون بلا ريبة وفي الطبقات الكبرى لابن السبكي وحكاه في الأصل مترددًا قال كتب جلال الدولة إلى أبي الطيب الطبري سؤالًا صورته:
يا أيها العالم ماذا ترى ... في عاشق ذاب من الوجد
من حب ظبي أهيف أغيد ... سهل المحيا حسن القد
فهل ترى تقبيله جائزًا ... في النحر والعينين والخد
من غير ما فحش ولا ريبة ... بل بعناق جائز الحد
إن أنت لم تفت فإني إذًا ... أصيح من وجدي واستعدي
فأجابه:
يا أيها السائل إني أرى ... تقبيلك العين مع الخد
يفضي إلى ما بعده فاجتنب ... قبلته بالجد والجهد
فإن من يرتع في روضة ... لا بد أن يجني من الورد
وإن من تحسبه ناسكًا ... لا بد أن يغلب بالوجد
فاستشعر العفة وأعصى الهوى ... يسلم لك الدين مع الود
تغنيك عنه كاعب ناهد ... تضمها بالملك والعقد
تملك منها كلمة تشتهي ... من غير ما فحش ولا رد
هذا جوابي لقتيل الهوى ... فلا تكن بالحق تستعدي
وأخرج الخطيب البغدادي عن الغزي قال رأيت عاشقين اجتمعا فتحدثا من أول الليل إلى الغداة ثم قاما إلى الصلاة وفي معناه أنشد العلامة محمود لنفسه وهو من لزوم ما لا يلزم
لله وقفة عاشقين تلاقيا ... من بعد طول نوى وبعد مزار
يتعاطيان من الغرام مدامة ... زاتهما بعدًا من الأوزار
1 / 6