قطاة غرّها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
فلا في الليل نالت ما ترجى ... ولا في الصبح كان لها براح
وفي تسريح الناظر عن الأمالي قال اجتمع إلى المجنون عزوة من قومه ممن كان ينادمه حال صحته وقد ذهبوا به حين بني الثقفي بليلى فعزموا على أن يسافروا به متنزهين في أحياء العرب ليذهب ما به فساروا وهو معهم تعاوده الصحة دورًا والجنون دورًا وهم يردون كل منتزه ويعرضون عليه من بنات العرب كل من أجمع على حسنها وأنهم غفلوا عنه ليلة ثم افتقدوه فرأوه قد ذهب فركب ابن عم له في طلبه فرآه عنده مشرعة وبين يديه ظبية لا حراك به وهو يمسح عنها التراب ويقبلها ويبكي هذا ما في تسريح الناظر زاد في نزهة المشتاق أنه كان ينشد:
أيا شبه ليلى لا تخافين إنني ... لك اليوم من وحشية لصديق
فقال له اذهب بنا فلم يجب فقال اذهب لنمر بليلى فقام معه فلما جاء إلى أصحابه جلس متفكرًا لا يخاطبهم حتى جاء الليل فلما كان السحر هبة نسمة وأبرق برق مما يلي حي ثقيف فأنشد:
طربت وشاقتك الهمول الدوامع ... غداة دعا بالبين أسفع نازع
شجاه نعيًا بالفراق كأنه ... حريب سليب نازح الدار جازع
فقلت الا قد بين الأمر فانصرف ... فقد راعنا بالبين قبلك رائع
سقيت سمامًا من غراب فإنني ... تبينت ما أخبرت أذهو واقع
ألم تر أني لا محب ألومه ... ولا ببديل بعدهم أنا قانع
ألم تر دار الحي في رونق الضحى ... بحيث انحنت للهضبتين الأجارع
وقد يتناءى الألف من بعد صحبة ... ويصدع ما بين الخليلين صادع
وكم من هوى أو جيرة قد ألفتهم ... زمانًا فلم يمنعهم البين مانع
كأني غداة البيت ميت حوية ... آخر ظما سدت عليه المشارع
يخلص من أوصال ماء صبابة ... فلا الشرب مبذول ولا هو نافع
وبيض تطلى بالعبير كأنها ... نعاج الفلا جيبت عليها البراقع
تحملن من وادي الاراك وأومضت ... لهن بأطراف العيون المراتع
فما جئن ربع الدار حتى تشابهت ... هجائنها والجون منها الجوامع
وحتى حملن الجور من كل جانب ... وخاضت صدور الرقم منها الأكارع
فلما استوت تحت الخدود وقد جرى ... عبير ومسك بالعرانين رادع
أشرن بأن حثوا الجمال فقد بدا ... من الصيف يوم لاقح الظل مانع
فلما لحقنا بالحمول تباشرت ... بنا مقصرات عاب عنها المطالع
يعرضن بالدل المليح وأن يرد ... خباهن مشغوف فهن موانع
فقلت لأصحابي ودمعي مسبل ... وقد صدع الشمل المشتت صادع
أليلى بأبواب الخدور تعرضت ... لعينيّ أم قرن من الشمس طالع
ومرض قبل الاختلاط فقلق قلقًا شديدًا ودخل عليه جماعة أو هو أبوه للعيادة فسمعوه ينتحب بأشد تحرق وتوجع وينشد:
ألا أيها القلب الذي لج هائمًا ... بليلى وليدًا لم تقطع تمائمه
أفق قد أفاق العاشقون وقد أبى ... لما بك أن تلقى طبيبًا تلائمه
فما لك مسلوب العزاء كأنما ... ترى نأي ليلى مغرمًا أنت غارمه
أجدك لا ينسيك ليلى ملمة ... تلم ولا ينتسيك عهدًا تقادمه
فاستتروا حتى أتم نشيده ودخلوا عليه فحادثوه في السلو فزاد في الهيام ولما عوفي جعل يعاود موضعها ويتمرغ في التراب ويبكي إلى الليل وعزم على التوحش والخروج فراجع ابن عم له في ذلك فكان يعزم عليه أن لا يفعل ويشاغله إلى أن بلغه أن ليلى دخلت إلى جارة لها فنضت أثوابها واغتسلت ونظرت إلى نفسه وقالت ويح ابن الملوح لقد علق بي عظيمًا على غير استحقاق فأنشدك الله أصادق هو في وصفي أم كاذب فقالت بل صادق ثم خرجت من عندها وعادت لأخذ سواك نسيته فلما صار في يدها قالت سقى الله من أعطانيه فقالت لها جارتها ومن أعطاكيه قالت قيس فخرج هائمًا وأنشد:
1 / 47