وفي رواية الحافظ مغلطاي عن أبي القاسم في الأمالي وابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين عن صالح ومحمد بن واسع وحبيب وثابت البنالي ومالك بن دينار أنهم قالوا أتينا أبا زهير الضرير المذكور وقت الظهيرة للزيارة فخرج إلينا وكأنه نشر من قبر فصلى وجلس كالمهموم فسلمنا عليه فقال لصالح اقرأ فقرأ الآية المذكورة فخر ميتًا فقلنا هل له من أحد فقال الحاضرون نعرف امرأة تأتيه من هنا ببعض حاجاته فاستحضرناها بالقصة فقالت لعل فيكم صالحًا قلنا وما يدريك به قالت كثيرًا ما كان يقول لي أن أقرأ علي صالح قتلني فجهزناه رحمه الله تعالى.
أخبرنا أبو الطيب وكان صوفيًا من أهل سر من رأى مدينة بالعراق قال حضرنا يومًا في مجلس ومعنا رجل صوفي يقال له أبو الفتح فقرأ قارىء ولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر فقال الرجل بلى وخر مغشيًا عليه فلم يفق إلى أن ذهب النهار ثم مضى فبلغني بعد أيام أنه حضر بالكرخ مجلسًا فأنشدت فيه جارية الأبيات المنسوبة إلى عبد الصمد المغربي الاشبيلي المعروف بالمعدل:
يا بديع الدل والغنج ... لك سلطان على المهج
إن بيتًا أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السرج
وجهك المعشوق حجتنا ... يوم تأتي الناس بالحجج
فاعتراه اضراب شديد وأقبل يقول للصبية كيف قلت فلما بلغت البيت خر ميتًا وأخرج في الأمالي عن عبد المؤمن القصة إلا أن البيت الأخير. وجهك المأمول حجتنا. قلت ولعل الذي مات من سماعه الرجل هو هذا لأن العارفين إذا سمعوا ما يدل على صاحب البقاء كان أكثر أخذًا من نفوسهم ولا شبهة في أن المأمول أبلغ.
وحكى أبو الفرج الصوفي قال كنا نجتمع للخدمة وكان بالقرب منا رجل اسمه القاسم الشركي يرعى عنيزات وكلما دعوناه إلى السماع أبى فمر به صبي يومًا يغني:
إنّ هواك الذي بقلبي ... صيرني سامعًا مطيعًا
أخذت قلبي وغمض عيني ... سلبتني العقل والهجوعا
فدع فؤادي وخذ رقادي ... فقال لابل هما جميعا
فراح مني بحاجتيه ... وبت تحت الهوى صريعا
فاعتراه اضطراب شديد وأقبل يقول للصبي كيف قلت فخاف الصبي منه ومضى فجعل يقول له لا بأس عليك كيف قلت فلم يجبه وانصرف فرجع هائمًا إلى رجل هناك بطبرية يقال لها حامد الفاخوري وكان عارفًا بالأشعار فجعل يردد الأبيات عليه ثلاثة أيام وهو يضطرب حتى مات.
وأخرج مغلطاي عن ابن أبي الدنيا والمنذري آخر الترغيب في فضل الخوف عن ابن عمر وصححه الحاكم أن رجلًا حبشيًا أتى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله فضلتم علينا بالألوان والنبوة أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت أكون معك في الجنة قال نعم ثم قال ﷺ من قال لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله ومن قال سبحانا لله كتب له بها مائة ألف حسنة فقال رجل يا رسول الله كيف يهلك بعد هذا فقال النبي ﷺ والذي نفسي بيده أن الرجل ليجيء يوم القيامة بعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة من نعم الله فتكاد تستنفد ذلك كله لولا ما يتفضل الله من رحمته ثم نزلت هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا إلى قوله وملكًا كبيرًا فقال الحبشي يا رسول الله وهل ترى عيني في الجنة مثل ما ترى عينك فقال نعم فبكى الحبشي حتى فاضت نفسه ﵁.
1 / 22