إلى غير ذلك مما دلت عليه أبياته الفائقة وعباراته الرائقة وألفاظه الشاقة التي هي لصوادق الهمم إلى مقام الوصول سائقة ولولا ما في ذلك من التطويل الذي يستغرق المدد مع المدد ويستنفذ الأبد فضلًا عن طول الأمد لأوضحت لك ما في كلامه من الأسرار الحقيقية الدالة على أن أبيات القصيدة وضعت كدرج المرقاة في الإبرام والنقض لا يجوز تقدم بعضها على بعض ومن لطيف ما اتفق لي إني خلوت بنفسي ليلة وكانت ليلة الجمعة سادس رجب الفرد من شهور إحدى وسبعين وتسعمائة فأخذت أتفكر في كلامه متصفحًا في دقائقه إلى أن قام في فكري معارضة بين ما اتفق له من قوله وعيدك لي وعد البيت. وقوله عذب بما شئت غير البعد وقوله وأصعب شيء دون اعراضكم سهل. وبين قوله ولك الذي ترضاه البيت فإنه في جميع الأبيات أشار إلى أنه راض بكل أفعال المحبوب خلا البعد والهجر ثم أشار في هذا البيت إلى الرضا بسائر الحالات ومنها البعد والهجر ثم قام عندي جواب إن ذلك عام خصص ثم غشيني النوم فرأيت كأني بالمدرسة الأشرفية وقد زينت بأنواع الزينة وليس فيها غيري وإذا برجل طويل غليظ شديد البياض في يده عكاز أخضر متوشح بثوبين أبيضين وعلى رأسه كالأزار فقام عندي أنه الشيخ فإذا هو هو فسلم علي ووضع يده على كتفي ووقفنا متقابلين وهو يقول لي هذا جواب الفقهاء ولم أقصده فقلت يا سيدي وما الذي قصدت قال أما تعلم أنا لمسافر أثقل ما يكون في مبادي سفره ثم لم يزل يخف إذا طالت طريقه حتى لم يبق إلا هو وربما فني قلت نعم قال وكذلك السالك لم يزل يلقي مرادات نفسه حتى إذا وصل انطوى في دائرة المحبوب فلم يبق له مطلوب كما في الحديث القدسي فبي يسمع وبي يبصر فعلمت أن هذا الشأن لا يدرك بالعلوم الظاهرة إن لم تداركها نفحات من الحضرة الطاهرة فرجعت عما كنت عزمت عليه من الكتابة على القصيدة إلا أن تداركني الألطاف الباهرة وقال بعض العارفين شرط المحبة أن تكون ميلًا بلا نيل وشرطًا بلا جزاء لئلا تزول عند زوال العوض ويتأكد ذلك في أحباء الله ﷿. روي عن علي ﵁ أنه كان يقول في مناجاته إلهي ما عبدتك خوفًا من نارك ولا طمعًا في جنتك ولكني وجدتك أهلًا للعبادة ومن ثم قيل أفضل الحمد ما وقع دالًا على استحقاق الله له بلا شرط نحو نحمدك يا من جلت صفاته عن الاحصاء بخلاف ما وقع في مقابلة شيء كالحمد لله على ما أنعم وأخبر السراج عن أبي بكر الازدستاني بسنده إلى ابن كثر قال لما تاب داو ﵇ كان له يوم نوح تجتمع إليه فيه الناس حتى الوحوش والطيور فينوح ويعظ مذكرًا بالجنة ثم النار ثم الأهوال ثم الخوف من الله وفي كل واحدة يموت من كل طائفة خلق وولده قائم على رأسه فيقول حسبك يا أبت قد مات الناس ثم يقول له العباد لا تعجل بطلب الجزاء فيخر ساجدًا مغشيًا عليه فتأخذ كل طائفة من مات منها وتذهب ثم يدخل بيت عبادته وهو يقول يا إله داود غضبان أنت عليه أم راض إلى أن يخر مغشيًا عليه وأخرج عبد العزيز بن علي الطحان عن ابن عطاء في معنى قوله ﷿ إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين أن أيوب لم يزل يأكله الدود حتى لم يبقى غير قلبه ولسانه فأكل بعضه بعضًا حتى بقيت واحدة فدبت إلى قلبه فقال ذلك لأنه قال أي رب لم أخف من بلاء ما دام قلبي عارفًا بحلاوة ذكرك فأوحى الله إليه بم تنظر إلي غدًا قال بهاتين العينين قال لا ولكن أخلق لك عينين يسميان البقاء لتنظر إلى البقاء بالبقاء وقيل خرج عيسى ﵇ في سياحته ليلة برد وريح ومطر فعاج إلى كهف ليستظل فخرج إليه أسد فقال أنت أحق بمكانك وعاد وهو يقول رب لكل ذي روح ملجأ إلا عيسى فأوحى إليه كأنك استبطأتني فوعزتي وجلالي لأزوجنك بجواري ولأولمن عليك أربعة آلاف سنة وحكى المنذري عن ابن سعد يرفعه أن أنصاريًا بكي من خشية الله خوفًا من النار حتى حبسه البكاء في بيته فحكى ذلك لرسول الله ﷺ فأتاه فلما اعتنقه خر ميتًا فقال جهزوا صاحبكم فإن الفرق بتحريك الراء يعني الخوف فلذ بالمعجمة يعني قطع كبده وحكى أبو نعيم في الحلية في ترجمة عبد الواحد بن زيد عن الفضيل بن عياض أن ابن زيد سأل ربه ثلاث ليال أن يريه رفيقه في الجنة فإذا بقائل يقول له هي ميمونة السوداء قال فقلت وأين هي قال بالكوفة فخرجت في طلبها فلما سألت عنها قالوا هي مجنونة وأنها بموضع كذا ترعى
1 / 17