ليس خطب الهوى بخطب يسير ... لا ينبئك عنه مثل خبير
ليس أمر الهوى يدبر بالرأ ... ي ولا بالقياس والتفكير
إنما الأمر في الهوى خطرات ... محدثات الأمور بعد الأمور
وقيل هي لعلية بنت المهدي حكاه الصولي ووجد على صخرة العشق ملك غشوم مسلط ظلوم دانت له القلوب وانقادت له الألباب وخضعت له النفوس فالعقل أسيره والنظر رسوله واللحظ حامله والتفكر جاسوسه والشغف حاجبه والهيمان نائبه بحر مستقره غامض ويم تياره طافح وفائض وهو دقيق المسلك عسير المخرج وضرب بعض الحكماء مثلًا للشهوة والعشق فقال هما كالنحل يستميل القلوب بحلاوة عسله وربما قتل بسمعه وذلك لأن الإنسان أما ذو عقل ملكي يتعقل الأشياء فينزجر أو نفس شهوانية ترى اللذات فتنهمك ومن ثم إذا وقع عن صدق جعل المتحابين كنفس واحدة.
حكي الغنوي قال دعيت إلى عيادة مريض أحبه آخر فدخلنا عليهما والمحب الصحيح يذب عنه فكان إذا شكا المريض شيئًا شكا الآخر مثله فقدر أن قضى ونحن عنده فحال مفارقة نفسه فارق الصحيح نفسه ومثله ما حكاه في ذيل الأمالي عن التميمي أن أخوين من امرأة يقال لهما فضل وفضيل قضى أحدهما فلما دفن طأطأ الآخر ينظره فلما سوي عليه اللبن أنشد
سأبكيك لا مستقصيًا فيض عبرة ... ولا مبتغ بالصبر عاقبة الصبر
ثم عاد فلزم المنزل حتى قضى من الغد
فصل في بيان مراتبه
وما ورد في كيفية ترقيه حتى يستولي على الحواس النفسية ويستغرق القوى الحسية ويملك العقل والبدن ويورث الذل والمحن ويسهل الوقوع في المهالك ويغري على سلوك أوعر المسالك أعلم أنه ألطف موجود نشأ في الوجود كما حققناه وحيث هو كذلك فتعلقه لا يبد وأن يشاكله لاحتياج كل اثنين تألفًا إلى نسبة تأليفية ولا شبهة أن الروح ألطف ما في البدن فلذلك كان العشق أول ما يتشبث بها فهذا دليل على أنه يقابل الأمراض كلها ومن ثم قال المعلم العشق نصف الأمراض وشطر الأعراض وقسيم الأسقام وجل الآلام وهذا واضح لأن الروح ولا شك أن سريان اللطيف في اللطيف أسرع ملاكًا وأعظم استملاكًا ويليه اللطيف في الكثيف كالحمى في البدن ثم الكثيف في الكثيف كالفالج فيه فعلى هذا يتجه كلام المعلم بل أقول أن العشق غالب الأمراض وليست بالنسبة إليه إلا كالعشر إلى الكل والقطرة إلى البحر وبرهانه أن الأمراض غالبًا تخص البدن وإنما اشتغال الروح حينئذ بالتدبير والأفهى في نفسها صحيحة وأما العشق فعاقبته إفساد البدن وتعطيل الفكر وإلحاق العقلاء بأهل الجنون ثم مرتبته الثانية تتولد عن تكرار نظر أو سماع خطاب يتعقل له في الذهن معن يكون لحديد القلوب مغناطيسيًا جاذبًا ولأنظارها السفسطية برهانًا غاليًا ويسمى حينئذ العشق الحسي وقال فيثاغورس لا يسمى حسيًا إلا إذا تولد عن مباشرة الحس وهذا عندي ليس بشرط وإن اشترط ففي حق البلداء من الناس ومن في حواسهم الباطنة ضعف وإلا فأحد الحاستين الأصليتين كاف في إيصاله إلى الحس المشترك ثم مرتبته الثالثة الخيالية وهي عبارة عن استيعابه التخيل حتى لم يبق للعاشق تخيل إلا صورة المعشوق وإن شارك الناس في الأمور الظاهرة.
كانت تلك المشاركة غير تامة وعلاماتها غلبة السهو ونقص الأفعال والاحتياج إلى محرك باعث ثم مرتبته الرابعة مرتبة الحفظ وهي الاستيلاء على الاستيلاء على الحفظ فتصرف القوة عن تحصيل كل كمال والنظر إلى كل جمال وهذا هو العشق الذي يرى صاحبه الميل إلى سوى المحبوب إشراكًا والفكر في غيره ضياعًا وأشغل الزمان بما سواه فسادًا وخروجًا وإليه أشار الفارضي بقوله:
ولو خطرت لي في سواك إرادة ... على خاطري سهوًا قضيت بردتي
فتعبيره بالسهو إشارة إلى تقصي المراتب واستيفاء الشروط وكأنه يقول من المعلوم أن السهر لا يحدث إلا من كثرة الواردات ولم يبق على قلبي واردًا سواك فكيف أسهو ومن ثم أشار بعد ذلك إلى طرح المراد وإماطة العلائق واتحاد الطالب مع المطلوب وعدم الأثنينية بقوله:
وكل الذي ترضاه والموت دونه ... به أنا راض والصبابة أرضت
بعد أن كان قبل الوصول إلى هذه المرتبة قد أثبت لنفسه مرادًا حيث قال:
وعيدك لي وعد وإنجازه مني ... ولىّ بغير البعد أن يرم يثبت
1 / 10