صيغ الأمر
للأمر صيغ كثيرة، منها: أولًا: فعل الأمر، وهو أصل صيغ الأمر، تقول: قم واتل ما عليك، وأقول لك: كل ما أمامك، كما قال النبي ﷺ في الصحيح: (كل بيمينك وكل مما يليك) فهذا أمر، أيضًا قال الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود:١١٤]، (أقم الصلاة: فعل أمر، أي: يجب عليك إقامة الصلاة، وقول الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة:٤٣]، وقول الله جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ﴾ [المزمل:١ - ٢] فعل أمر، ثم يقولون: إنه كان واجب على النبي ﷺ قيام الليل، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:٢ - ٤].
ومن صيغ الأمر أيضًا: اسم فعل الأمر، كقول الله تعالى: ﴿عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:١٠٥] أي: الزموا أنفسكم، فلن تضروا طالما أنتم اعتنيتم بأنفسكم، فهذا عند ربكم، ولا حساب عليكم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن هذه الآية لها فقه، فقد يظن قارئها أن فيها تقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغرض المقصود: أن (عليكم) اسم فعل، أمر يدل على الوجوب.
أيضًا قول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح، اسم فعل أمر، وقول النبي ﷺ لما كان في غزوة أحد واجتمع له عشرة من أصحابة من الأنصار، وكان معه طلحة بن عبيد الله، فقال النبي ﷺ: (من يدفع عنا هؤلاء وهو معي في الجنة، فيقوم طلحة فيقول: اقعد أو اجلس، فيقوم الأنصاري فيقاتل فيقتل، ويقوم الآخر فيقاتل فيقتل، فقال: ما أنصفنا إخواننا)، على التأويلين: التأويل الأول: (ما أنصفنا إخواننا)، أي: أهل مكة هم إخوان لنا، ما أنصفونا ونحن ندعوهم إلى الإسلام.
التأويل الثاني: (ما أنصفنا إخواننا)، أي: الأنصار، ما استطاعوا رد هؤلاء، فقام طلحة يقاتل وينافح عن رسول الله، حتى إن السيف انكسر في يده، فصد السيوف بيده عن رسول الله ﷺ، ثم طرح أرضًا وشلت يده، فما كان من أبي بكر وعمر إلا أن أسرعا إلى النبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: (دونكم صاحبكم فقد أوجب) أي: أوجب الجنة بما فعل، (فدونكم) أيضًا من نفس هذه الصيغ.
ومن صيغ الأمر أيضًا: الفعل المضارع المقترن بلام الأمر، قال تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج:٢٩]، وقال الله تعالى: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الفتح:٩]، (فاللام) هنا لام الأمر، أي: آمنوا بالله ورسوله، واطوفوا بالبيت العتيق، وأوفوا بنذوركم.
ومن صيغ الأمر أيضًا: المصدر النائب عن فعل الأمر، كقول الله تعالى: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ [محمد:٤].
(فضرب): مصدر نائب عن فعل أمر، أي: اضربوا الرقاب، وقوله تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد:٤]، فهذه أيضًا من صيغ الأمر التي تدل على الوجوب كما سنبين.
أيضًا هناك ألفاظ وصيغ تدل على الأمر منها: كتب، وفرض، أو الجمل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة:٢٧٨]، وكقول ابن عمر في الحديث: (فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر من رمضان كذا وكذا وكذا)، ففرض أيضًا من صيغ الأمر، وكتب من صيغ الأمر، كقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٣]، وقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء:٥٨] فهذه جمل، وأيضًا قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة:٢١٦].
أيضًا: إذا كانت الجملة لابتداء وخبر فهي تدل على الوجوب، وإن كانت ليست كثيرة، كقول الله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ [المائدة:٨٩]، أي: كفروا عن أيمانكم بإطعام عشرة مساكين، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة﴾ [النساء:٩٢]، مصدر نائب عنها، وأيضًا قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران:٩٧].
2 / 4