{ أولئك عليهم صلوت } مغفرة أو تزكية أو ثناء أو تعظيم، وقيل: الجمع مناف لأن يراد بالصلوات الثناء أو التعظيم، إلا أن يقال بمعنى ثناء بعد ثناء، وتعظيم بعد تعظيم، ولم يقل صلاة لكثرة المغفرة والتزكية والثناء وأنواعهن، أو أراد صلاة بعد صلاة، لكن المعروف بالتكرير المفردات، نحو: زيد يأكل مرة مرة، والتثنية كقوله مرتين، وقولنا لبيك { من ربهم ورحمة } نعمة عظيمة أفرادا وأنواعا، يقال: نعم العدلان للصابرين، الصلوات والرحمة { وأولئك هم المهتدون } إلى الصواب والحق، إذا استرجعوا رضى بقضاء الله عز وجل.
قال صلى الله عليه وسلم:
" من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه "
، وذلك أولى من تقدير المهتدون إلى الفوز بالمطالب.
[2.158]
{ إن الصفا والمروة } علمان بالغلبة على جبلين بمكة، فإن الصفا جمع صفاة فى الأصل، وهى الصخرة الصلبة الملساء، أو الحجر الذى لا يخالطه طين أو تراب متحجر، أو ضعف، مأخوذ من الصفوة، وهى الخلوص. والمروة فى الأصل الحجر اللين، أو الأبيض البراق، أو الأسود البراق، أو المحددة الأطراف، أو الصلبة، قيل: سمى الصفا لوقوف صفى الله آدم عليه السلام عليه، وذكر لذلك، وسميت المروة لوقوف المراة عليه، وهى حواء، وأنث لذلك، ولا يقال فيه، إن مادة المروة غير مادة المرأة، لأن المراد بتأنيثه أنه قرن بالتاء، كما أن المراد بتذكير الصفا أنه لم يقرن بها { من شعائر الله } أى علاماته، أى علامات دينه، أو المواضع التى يقام فيها دينه، وهى مواضع الحج كالمطاف وعرفة والمزدلفة ومنى، أو من علاماته التى تعبد خلقه بها، فهما يسعى بينهما { فمن حج البيت } قصده ليقف بعرفة، ويبيت بالمزدلفة، ويرمى ويحلق ويطوف ويسعى { أو اعتمر } زار البيت ليطوف ويسعى، وأصل الحج القصد مطلقا، أو إلى معظم، والعمرة الزيارة أخذا من العمارة، والزائر يعمر المكان بزيارته { فلا جناح } لا إثم، وأصله الميل مطلقا، سمى به الذنب لأنه ميل عن الحق { عليه أن يطوف } فى أن يتطوف { بهما } بينهما، كما زعم المسلمون قبل نزول الآية، أنه لا يجوز السعى بينهما، لأنه كان فوق كل منهما صنم، يمسهما المشركون بأيديهم، ويمسحون بهما وجوههم، ويعظمونهما، فكرهوا أن يشبه سعيهم، ولو كانوا لا يمسحونهما لا يعظمونهما سعى المشركين المعظمين لهما الماسحين، أحدهما إساف بكسر الهمزة، والآخر نائلة، صنمين من أول، ورجح هذا، وقيل، كانا رجلا وامرأة زنيا فى الكعبة فمسخهما الله وجعلهما الناس على الجبلين، ليعتبر بهما، فطالت المدة، فعبدا من دون الله، ونسب هذا القول لأهل الكتاب، وقيل: واضعهما على الجبلين عمرو بن لحى، وهو أول من سن عبادة الأصنام من عرب مكة، والباء للإلصاق المجازى، والطواف بهما واجب، لقوله صلى الله عليه وسلم:
" إن الله كتب عليكم السعي، فاسعوا "
، وأما قول عائشة رضى الله عنها، لعمرى، ما أتم الله تعالى حج من لم يسع، فمعناه حج ناقص لا باطل، فالطواف بهما واجب، لا يبطل الحج والعمرة بتركه، كما روى، أن عروة بن مضرس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة، فقال،
" يا رسول الله، جئت من جبل طيء ما تركت جبلا إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال: من صلى معنا هذه الصلاة، ووقف معنا هذا الموقف وقد أدرك عرفة قبل ذلك، ليلا أو نهارا، فقد أتم حجة وقضى تفثه "
، فأخبره صلى الله عليه وسلم بإدراك الحج بلا ذكر للسعى بيهما، ولو كان واجبا يبطل الحج بتركه لبينه له، لأنه سائل جاهل، ولا حجة فيه لمن قال بأنه غير واجب لأحاديث الوجوب، وهذا مذهبنا ومذهب أبى حنيفة، وإن لم يسع لزمته شاة، وقيل، بدنة، وقال مالك والشافعى، يبطل الحج بتركه للحديث، وقال أحمد، سنة غير واجبة، ويرده الحديث، وأجيب بأنه يجوز كون كتب بمعنى استحب كقوله تعالى:
صفحة غير معروفة