{ ألم تعلم أن الله له ملك السموت والأرض } له التصرف فيهما بالزيد والنقص والتغيير،ومن له ذلك فكيف وله أضعافها: العرش والكرسى وغيرهما، فله التصرف بالنسخ، وكل ذلك على ما سبق به قضاؤه الأزلى، ولم تعطف هذه الجملة لأنه إيضاح لما قبلها، وتأكيد فى المعنى، وللإشعار بأنها مستقلة فى الاحتجاج { وما لكم } الخطاب لكفار العرب وغيرهم { من دون الله من ولي } يحفظكم عن توجه العذاب إليكم { ولا نصير } يدفعه عنكم إذا أتاكم، وقد يضعف الولى عن النصرة، وقد يكون النصير أجنبيا، فبينهما عموم وخصوص من وجه، فعموم الولى فى النصر وعدمه، وخصوصه فى القرابة، وعموم النصر فى القرابة، وعدمها، وخصوصه فى إيقاع النصر جزءا، ومن وليه الله لا يجد إلا خيرا فى أمر السنخ وغيره، ولا يرتب، والمراد بالولى الولى من حيث الدفع، وإلا فلكل أحد ولى، وما حجازية لم تعمل لتقدم الخير، ويجوز أن يكون اسمها اسم فاعل، تاب عنه لكم، وولى فاعل له، أغنى عن خبرها، أى ما ثابت لكم ولى ولا نصير، كما تقول، ما قائم الزيدان.
[2.108]
{ أم } بل أتريدون، وهو إضراب انتقال عن قصة، لا إبطال { تريدون } يا معشر العرب، وغيرهم كاليهود { تسئلوا رسولكم } أعلمهم أنه رسول للعرب واليهود وغيرهم، أما العرب فسألوه، أن يوسع أرض مكة بإذهاب الجبال عنها للحرث والنزهة، وأن يجعل الصفا ذهبا، ويبعث قصيا يخبرهم أنه نبى، قال السدى: وأن يروا الله جهرة، قال: نعم، على أنه لكم كالمائدة لبنى إسرائيل فقال ابن أبى العالية، أن تكون كفارانا ككفارات بنى إسرائيل، فقال: كفاراتكم خير، الاستغفار، والصلوات، والجمعة، وكفاراتهم خزى، فإن لم يكفروها نفى الآخرة، ومن ذلك قول رافع بن خزيمة، إن كنت رسولا فليكلمنا الله لنسمع كلامه، وقال عبدالله بن أمية المخزومى فى رهط من قريش: ما أومن بك حتى تفجر: إلى قوله: نقرؤه، وقال بقية الرهط، فائتنا بكتاب جملة مكتوب كالتوراة، وأما اليهود فسألوه، أن يأتى بالكتاب جملة كالتوراة، وأن يأتى بالله والملائكة قبيلا، ونحو ذلك { كما سئل موسى من قبل } سأله اليهود أن يريهم الله جهرة، وأن يجعل لهم إلها كما جعل قوم لأنفسهم آلهة، ونحو ذلك { ومن يتبدل الكفر بالإيمن } يأخذ الشرك والكبائر بدل التوحيد، والإيمان بترك التفكر فيما أنزل الله، وطلب آيات أخر تعنتا { فقد ضل سوآء } أى عن سواء، أو أخطأ سواء { السبيل } أى السبيل السواء، أى المعتدل، وهو الحق، قيل قوله { ومن يتبدل الكفر بالإيمان }. إلخ يدل على أن الخطاب فى قوله تعالى: ألم تعلم، وما لكم، وأم تريدون للمؤمنين، لأن هذا لا يصح إلا فى المؤمنين، لأنهم آمنوا، فنهوا أن يبدلوه بالكفر، قلت: لا يتعين هذا، لجواز أن يكون معنى التبدل إعراض الكفرة عن التوحيد والإيمان، واستدل على أن الخطاب فى ذلك كله للمؤمنين، بأن قوله { أم تريدون } عطف على
لا تقولوا راعنا
[البقرة: 104] قلت: لا يتعين لجواز أن تكون أم حرف ابتداء للإضراب كما مر، ولا داعى إلى تقدير، أتفعلون ما أمرتم من السمع، وقول، انظرنا، أم تريدون، واستدل على أن الخطاب للمؤمنين بأنهم كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم عما لا خير فيه، كما سأل اليهود موسى عليه السلام، كما روى أنهم قالوا، اجعل لنا ذات أنواط، كما أن للمشركين ذات أنواط، شجرة يعبدونها، ويعلقون عليها سلاحهم ومأكولهم ومشروبهم، إلا أنهم لم يريدوا أن يعبدوها، فقال: الله أكبر، هذا كما قال لأخي موسى قومه اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذى نفسى بيده لتركبن سنن من قبلكم، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة إن كان فيهم من أتى أمه يكن فيكم، أفلا أدرى أتعبدون العجل أم لا. واختار بعض أن الخطاب لليهود، لأن الكلام فيهم من قوله يا بنى إسرائيل، اذكروا.
[2.109]
{ ود كثير } منهم، حيى بن أخطب، وأبو ياسر، وكانا أشد الناس حسدا للعرب على الإسلام وكون النبى منهم { من أهل الكتب لو يردونكم } أحب وتمنى كثير من اليهود ردكم، أى تصيركم { من بعد إيمنكم كفارا } مشكرين وقوله { حسدا } تعليل لود، لا ليرد، لأن المعنى عليه ود، وأن يكون الرد للحسد، وليس مرادا، ووصف الحسد بقوله { من عند أنفسهم } لخبثها الشديد فلا موجب لذلك الرد من التدين، بل تشهيا، أو من عند ذواتهم، كأنهم جبلوا عليه، فيصعب زواله { من بعد ما تبين لهم } فى التوراة، بموافقة نعوته فيها وبالمعجزات { الحق } أى بعد تبين الحق لهم، أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن.
قال نفر من أحبار اليهود كفنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس لحذيفة وعمار بعد أحد، لو كنتم على الحق لما غلبتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم، فقال عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: أمر شديد، فقال: عاهدت الله تعالى، ألا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت، فقالت اليهود، أما هذا فقد صبأ، وقال حذيفة: وأما أنا فقد رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا، فأخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفلحتما، فنزل، ود كثير { فاعفوا } عن اليهود والعرب، كما لم يذكر لفظ عنهمن والفاء تدل على اليهود أولا وبالذات، ودخلت العرب ثانيا وبالتبع لا تعاقبوهم، { واصفحوا } عنهم، لا تعاتبوهم العتاب الشديد، وضعف ما قيل، لا تخالطوهم، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وأصل العفو محو الجريمة، من عفا إذا اندرس، وترك العقوبة لازمة، وبينهما عموم وخصوص، من وجه، يجتمعان إذا لم يعاقب ولم يعاتب { حتى يأتي الله بأمره } واحد الأمور. وهى القيامة، والجزاء فيها، وقوة الرسالة وكثرة الأمة، أو ضد النهى، بأن يأذن فى قتالهم لوقته، فجاء الإذن فى قتال العرب قبل بدر، إذ قال
أذن للذين يقاتلون
[الحج: 39] الآية، وجاء الإذن فى أخذ الجزية من أهل الكتاب، وبقتل قريظة وإجلاء النضير بعد أحد، بل بعد الأحزاب، وهى بعد أحد { إن الله على كل شيء قدير } فلا يعجزه الانتقام منهم.
صفحة غير معروفة