373

تيسير التفسير

تصانيف

[5.109]

{ يوم يجمع الله الرسل } متعلق بيهدى كما رأيت، أو مفعول لمحذوف أى اذكر، وهو يوم القيامة، وقيل بدل اشتمال من لفظ الجلالة فى قوله واتقوا الله، وبدل الاشتمال ما بينه وبين المبدل منه ملابسة بغير الكلية والجزئية، وقيل متعلق بمضاف محذوف أى اتقوا عقاب الله يوم { فيقول } قول توبيخ لأقوام الرسل، وهو عالم بما أجيب به الرسل { ماذا أجبتم } ماذا مفعول مطلق واقع على الرد المفسر به أجبتم، أى رد رد عليكم أقوامكم فى الدنيا حين بلغتم الرسالة؟ أو اسم استفهام وذا خبر، أو بالعكس، وذا موصول أى ما الذى أجبتم، أى ما الرد الذي عليكم، أو ما الذى أجبتم به بناء على جواز حذف الرابط إذا علم بلا شرط، ويضعف جعل ماذا مجرورا بحرف مقدر أى بماذا أجبتم، وعلى كل حال المراد ماذا أجابكم أقوامكم فى التوحيد وغيره من أمر الله ونهيه جل وعلا في الدنيا، والاستفهام توبيخ لأقوام الرسل بلا خطاب لهم، وإنما كان بلا خطاب لتحقيرهم وشدة السخط حتى أنه لذلك لم يذكرهم إذ لم يقل ماذا أجابكم أممكم { قالوا لا علم لنا } بماذا أجابونا، نسوا لدهش القيامة ثم ترجع إليهم عقولهم فيقولون لأن يوم القيامة مواطن فتارة يذهلون وتارة يجيبون، ثم رأيت لابن عباس مثل هذا مجيبا به لابن الأزرق فلا يرد على قوله تعالى

لا يحزنهم الفزع الأكبر

[الأنبياء: 103] ولا يصح أن يقال لا علم لنا بما كنت تعلمه من الغيب مما فى قلوبهم أو غيرها فى أقوامنا ومن تحقيق الأمر أو من الخاتمة أو يحال من جاء بعدنا لأن سؤال الله لهم ليس لذلك ولأنهم قد رأوا أثر الشقوة، ولا يصح أنه رد للأمر إلى الله عز وجل لأنه إذ ذلك كذب، لا يقولون ما علمنا وهم علموا، وكذا يوجب الكذب ما قيل أنهم علموا أن الله عالم لا يظلم وأن قولهم لا يدفع شرا فردوا العلم إلى الله بنفيه عنهم تأدبا، ولا ما قيل أنهم جعلوا علمهم كلا علم بالنسبة إلى علم الله، وذلك أنهم نفوا العلم عن أنفسهم بلا النافية للجنس فلم تصح تلك الدعاوى، ولا يخفى تكلف ما قيل أن نفى العلم كناية عن التشكك من أقوامهم والالتجاء إلى الله، وقالوا بمعنى يقولون لكنه لوجوب وقوع القول صاروا كأنهم قد قالوا { إنك أنت علام الغيوب } ما غاب عن خلقك ألبتة أو غاب عنه بعد علمهم به، وجمع الغيب مع أنه مصدر صالح للكثير لأن المراد الدلالة على أنواع الغيب، وذلك بمعنى أنه يعلم غيب ما غاب وذلك علم للغائب، وأما إن قلنا: الغيب نفس ما غاب أو الغيوب جمع غيب مخفف غيب فلا إشكال في الجمع.

[5.110-111]

{ إذ قال الله } إذ يقول الله وصيغتا الماضى للتحقق كما مر، وإذ بدل من يوم أو مفعول لا ذكر، وصح الإبدال لأن يوم جمع الرسل وقوله لعيسى. { يا عيسى ابن مريم } إلخ يوم واحد يجمع توبيخ الأقوام على تكذيبهم للأنبياء حتى قالوا سحرة ومجانين وأساطير الأولين وأكاذيب، وعلى غلو من غلا حتى قال أن عزيرا ابن الله وحتى قال إن عيسى إله أو ابن الله، والآية رد لتفريط اليهود فى عيسى عليه السلام وإفراط النصارى فيه، إذا جعلنا ابن نعت عيسى جاز فى الجملة تقدير الضمة على الألف كما هو الأصل وتقدير الفتحة كما هو القاعدة فى مثل قولك يا زيد بن سعيد ولكن لا داعى إلى تقدير خلاف الأصل ولا دليل عليه يترك به الأصل { اذكر نعمتى } إنعامى بكسر الهمزة { عليك وعلى والدتك إذ } متعلق بنعمتى كعلى لأنه بمعنى إنعامى، النعمة بمعنى ما أنعم به عليه فعلى متعلق بمحذوف حال من نعمة، والإضافة للجنس لأن نعمة عليه متعددة وأمره بذكر النعم تشريفا له بها على رءوس الأشهاد والأعداء وتلذيذا أو توبيخا لليهود والنصارى المخطئين في شأنه، وإذا جعلنا نعمة بمعنى ما أنعم به فإذا متعلق بمحذوف حال من نعمة أو بدل من إذ { أيدتك } قويتك من الأيد مفردا بمعنى القوة { بروح القدس } هو جبريل لا يفارقه من حين ولد إلى أن رفع، والقدس، أو روح القدس الكلام الذى يحيا به الدين أو النفس حياة أبدية، ويطهر من الآثام ويقوى تفسيره بالكلام قوله عز وجل { تكلم الناس فى المهد } متعلق بمحذوف حال عطف عليه حال آخر فى قوله { وكهلا } أى ثابتا فى المهد وكهلا، المعجزة التكلم فى المهد لا التكلم في الكهولة، ولكن ذكر الكهولة إيذانا بأن كلامه فى المهد وكلامه في الكهولة وما بينهما سواء فى الحكمة ومطابقة كلام كتب الله وأنبيائه وكاملى العقول، ومما قال فى المهد:

إنى عبد الله آتانى الكتاب

[مريم: 30]، الآية، وتكلم فى الكهولة بما أوصى الله، والكهل من جاوز الثلاثين ووخطه الشيب، وإن جعلنا نعمى بمعنى ما أنعم به فعليك حال وإذا بدل منها بدل اشتمال، أو متعلق بعليك، أو بمتعلقه أو حال من ضمير الحال الاستقرارى، ويجوز تعليق فى المهد بتكلم فيقدر وتكلمهم كهلا، وقد عدد عليه من النعم سبعا: إذ أيدتك وإذ علمتك وإذ تخلق وإذ تبرئ وإذ تخرج الموتى وإذ كففت، وإذ أوحيت. واستدل بعض بقوله وكهلا على أنه سينزل لأنه رفع غير بالغ سن الكهولة وليس كذلك؛ لأنه أرسل ابن ثلاثين سنة، ومكث فى رسالته ثلاثين شهرا ثم رفعه الله إليه، هكذا روى عن ابن عباس، ويروى ابن ثلاث وثلاثين سنة، وقيل وثلاثة أشهر وثلاثة أيام، وقيل ابن أربع وثلاثين وما صح أنه وخطه شيب وتكلف من قال المراد وشبه كهل { وإذ علمتك الكتاب } أى الخط تكتب وتقرأ ما كتب، أو علمتك الكتب المنزلة كالمصحف والزبور والتوراة والإنجيل، وخصهما بالذكر فى قوله والتوراة والإنجيل تفضيلا لهما على الكتب التى قبلهما { والحكمة } العلم وفهم معانى الكتب وأسرارها واستكمال النفس بالعلم والعمل والصواب فى السيرة { والتوراة } هو الكتاب المنزل على موسى { والإنجيل } المنزل على عيسى على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام { وإذ تخلق } تصور { من الطين كهيئة الطير بإذنى } أى بأمرى، الكاف اسم مضاف لهيئة مفعول لتخلق أى تخلق مثل هيئة الطير أى كصورة الطير { فتنفخ } بفيك { فيها } أى فى مثل هيئة الطير، ورجع ضمير المؤنث إلى الكاف وهو مذكر إذ هو بمعنى مثل لأن المعنى صورة أو هيئة مثل هيئة الطير، والطير اسم جمع لطائر أو جمع له كما له فى راكب وركب أى كصورة الطيور، واستعمال الطير مفردا مرجوح، كان الناس يقولون له على وجه التعنت خلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا إن كنت صادقا فيفعل بإذن الله، كما قال الله عز وجل { فتكون طيرا بإذنى } إنى خالق فيها حياة وروحا لا أنت ولا غيرك فذلك نعمة منى إليك إذ نصرتك بالحجة على أعدائك، والمراد حيوانا طائرا وهو الخفاش أو خفاشا طائرا { وتبرئ الأكمه } من ولدلا يبصر أو زال بصره { والأبرص بإذنى، وإذ تخرج الموتى } من قبورهم أحياء كسام { بإذنى } أى بقدرتى؛ لأنى قادر على كل شئ، ومن تقدم فى آل عمران يكرر إذ أول كل نوع مخالف لما قبله فيما مر وما يأتى، ولا سيما إخراج الموتى من القبور فإنه معجزة عظيمة إذا كانوا رماما فيحييهم بإذن الله عز وجل؛ ولذلك لم يكتف عن إذ فيها بإذ التى قبلها مع أنهما معا فى إحياء مالا حياة فيه، ومن هذا الإحياء إبراء الأكمه والأبرص، وأما بالمقابلة فاحياء الطين أشد إعجازا لأن الطين لم تتقدم فيه بخلاف إخراج الموتى، نعم إخراج الموتى أبلغ من التعبير باحياء الموتى { وإذ كففت } منعت { بنى إسرائيل } اليهود { عنك } إذ قصدوك للقتل خداعا، وقصدوك به مجاهرة { إذ جئتهم بالبينات } المعجزات المحسات فلم يقتلوك، ولكن قتلوا الشبه، وإذ متعلق بكففت قبله { فقال الذين كفروا } أى هؤلاء الذين قصدوا قتلك بعد البينات فصرفتهم، فمقتضى الظاهر فقالوا إن هذا إلا سحر مبين، ولكن أظهر ليصفهم بالكفر بك الموجب للعذاب والذم { منهم } من للبينات فبنو إسرائيل المكفوفون هم الذين قالوا إن هذا إلا سحر مبين، ومن للتبعيض فبنو إسرائيل كل لا كلية، والحكم الإيقاعي على المجموع { إن } ما { هذا } أى الذى جئت به مما تدعيه معجزات { إلا سحر مبين } أو الإشارة لعيسى، أى ما عيسى إلا سحر وذلك مبالغة إذ جعلوا نفس السحر، أو يقدر مضاف أى ما شأن هذا إلا سحر، وما هذا إلا ذو سحر مبين { وإذا أوحيت إلى الحواريين } بواسطة رسلى الماضين أو عيسى أو بواسطة عيسى، أو أوحيت بمعنى ألهمت كقوله تعالى

وأوحينا إلى أم موسى

[القصص: 7]

صفحة غير معروفة