تيسير التفسير

اطفيش ت. 1332 هجري
212

تيسير التفسير

تصانيف

[3.178]

{ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى } نمهل، وما اسم للإملاء أو للعمر، أى نملية، أو مصدرية أى أن إملاءنا { لهم خير } خبر إن { لأنفسهم } والمصدر من خبرها سد مسد المفعولين، أى لا يحسبن الذين كفروا خيرة ما نملى لهم، ويجوز كون ما مصدرية، أى أن إملاءنا لهم خير { إنما } إن العمر الذى { نملى لهم } أو أن الإملاء الذى نملى، واللام بمعنى على، أو للنفع بحسب ظنهم لعنهم الله { ليزدادوا } ثابت ليزدادوا، أو ما نملى لهم والعلة الباعثة تتقدم على المعلول، تعالى الله عن ذلك، ولكن لا مانع من اعتبار أن لكل ازدياد جزءا من الإملاء قبله، والله يريد الشر لخلقه كما يريد لهم الخير، فيقال اللام للإرادة، وأخطأ المعتزلة إذ قالوا لا يريد لهم إلا الخير { إثما ولهم } فى الآخرة { عذاب مهين } مذل، جزاء، وفاقا على ترفعهم وتعززهم فى الدنيا وتكبرهم فى أعمارهم الطويلة بطيبات الدينا، ورد لتوهمهم أنهم أعزة عند الله عز وجل.

[3.179]

{ ما كان الله ليذر } يبرك { المؤمنين على مآ أنتم عليه } لام الجحود زائدة لتأكيد النفى أى ما كان شأن الله ترك المؤمنين، أو ما كان الله ذا ترك للمؤمنين، أو تاركا، أو للتقوية، أى ما كان الله مريدا لتركهم على ما أنتم عليه من التباس المنافق المخلص، وجريان أحكام الإيمان عليه، وزعم الكوفيون أنها زائدة ناصبة للمضارع، ولا تقدر أن ولا المصدر ولا حذف، والجملة خبر كان، والخطاب كما رأيت للمؤمنين والمنافقين والمرتابين، وقيل للمؤمنين، وقيل للمنافقين والمرتابين، وفى الآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ووعد لهم، ووعيد لغيرهم { حتى يميز الخبيث } المنافق لخبثه اعتقادا وفعلا { من الطيب } المخلص اعتقادا وفعلا وقولا، ومعنى الغاية أن الله تعالى يفعل التخليص بينهم حتى يتبين لكم، وذلك التمييز إنما هو بعدم تحمل المشاق وبذل الأموال فى سبيل الله، وبرجوعهم عن أحد وإبائهم من الخروج إلى قتال أبى سفيان حين رجع من أحد ومن الخروج قابلا إلى بدر الصغرى، وما ينفلت أحيانا منهم من كلمات الكفر وترك الفرائض، وقولهم، لو كان رسولا لم تصبه هذه المكارة، ونحو ذلك، لا بأن يقول فلان من أهل الجنة وفلان منافق من أهل النار، فإنما هو للأنبياء لا للعامة كما قال الله جل وعلا { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } أن فلانا وفلانا منافقون ويخبر الله نبيه بهذا كغيره من الغيب، فيسره فى حذيفة رضى الله عنه كماقال { ولكن الله يجتبى } يختار { من رسله من يشآء } كما اجتبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بهم بأعيانهم لا بوصفهم فقط، وروى أن الكفار قالوا: إن كان محمد صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر، وقال صلى الله عليه وسلم:

" عرضت على أمتى وأعلمت من يؤمن بى ومن يكفر، كما عرضت على آدم ذريته "

، فقال المنافقون: إنه يزعم أنه يعرف من يؤمن ومن يكفر، ونحن معه ولا يعرفنا، فنزل وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء، وقيل قالت قريش يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن ويكون فى رضى الله فى الجنة ومن يكون بعكس ذلك فليخبرنا بهم، فنزلت، فلت: لعلها نزلت فى ذلك كله { فأمنوا بالله ورسله } بإخلاص وجزم، ولا تتوقفوا إلى أن يعلم الغيب، فإنه ليس يعلم كل غيب، وقد أعلمه من يؤمن ومن يكفر، وبأن تعلموا أنه لا يعرف الغيب إلا من عرفه الله إياه، واجتباه لذلك من الأنبياء { وإن تؤمنوا } إيمانا خالصا { وتتقوا } ما فيكم من الكفر والعقاق، والخطاب فى المواضع الثلاثة يقوى أن الخطاب فى قوله عز وجل: ما أنتم عليه للمنافقين والمرتابين { فلكم أجر عظيم } لا يعلم قدره إلا الله.

[3.180-181]

{ ولا يحسبن الذين يبخلون بمآ ءاتاهم الله من فضله } بحقوق ما آتاهم الله من المال إياه، كزكاة، وضيافة وجبت، ونفقة عيال، ولو حيوانا، ونفقة أولياء لزمت، ونفقت جهاد تعينت، لفقد مال بيت المال وفراغه ونفقة المضطر، وقد صرح العلماء بأنه يجب على المؤمنين جمع ما يحتاج إليه بيت المال من أموالهم والذين فاعل يحسب المفعول الأول محذوف ألا لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله بخلهم { هو } أى البخل المفهوم من يبخل ضمير فصل لا محل له من الإعراب، وهو بين معرفة تحقيقا، وهى بخلهم المقدر، ومعرفة حكماء وهو اسم التفضيل الذى هو مفعول ثان فى قوله { خيرا لهم } إذ كان لا يقبل التأنيث والتثنية والجمع حال تجريده من أل والإضافة إلى معرفة، ولهم نعت خيرا أو متعلق به، وإن لم تجعل خيرا اسم تفضيل بل بمعنى نفع لم يكن هو ضمير فصل، بل يكون توكيدا للهاء فى فضله ويجوز هذا، ولو جعلنا خيرا اسم تفضيل، وقد تحصل أن المفعول الأول محذوف، أى بخلهم لجوازه حذفه بلا شرط إذا علم، وخيرا مفعول ثان { بل هو شر لهم } اسم تفضيل أى بمعنى ضر، ومن سوئه تطويقه المذكورة بقوله { سيطوقون } وهو كالتعليل لما قبله { ما } مفعول ثان، والأول نائب الفاعل، وهوالواو { بخلوا به } من المال { يوم القيامة } يصيرهم الله يوم القيامة متطوقين فى أعناقهم ما بخلوا به فيطوقهم دائرة فى أعناقهم، يلزمهم وبال ما بخلو به، كلزوم الطوق فى العنق، وهو طوق الحمامة ونحوها، مما فى عنقه فقط مستدير، ويكون أيضا على الحقيقة كما بين بعض الطوق فى قوله صلى الله عليه وسلم:

" من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه، اى شدقيه ، ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا: ولا يحسبن الذين "

الآية، رواه البخارى عن أبى هريرة، وعنه صلى الله عليه وسلم:

صفحة غير معروفة