[البقرة: 129]. إلخ فيتبادر منه أن الكل نعمة مشتملة على نعم { وإن كانوا } إن الشأن كونهم، وليست إن علامة فى مذكور ولا محذوف، لكن بينت المعنى، وقيل عملت فى ضمير الشأن محذوفا، ويجوز تقدير غيره إذا أمكن، مثل أن يقدر هنا، وإنهم كانوا،ونسب للبصريين أنها تهمل ولا يقدر لها ضمير، وأجازوا إعمالها فى ظاهر { من قبل } قبل بعثه صلى الله عليه وسلم { لفى ضلال } عن الدين والمصالح { مبين } ظاهر.
[3.165]
{ أو لمآ } الهمزة مما بعد الواو، والعطف على ما قبل، أو العطف محذوف أى أتنسون النصر السابق ببدر ومبدأ أحد وترك المركز والإلحاح بالخروح، وقد كرهه صلى الله عليه وسلم ولما { أصابتكم } وأجيز كون هذه الواو استئنافا ولا يثبت عندى واو الاستئناف، لأن الاستئناف غير معنى، قال ابن هشام: إن الاستفتاح غير معنى، وليس من ذلك قولنا من للابتداء، لأن المعنى أن من تدل على بدء الشىء من كذا، وهذا معنى صحيح { مصيبة } فعله مصيبة من المشركين بأحد موصوفة بما فى قوله { قد أصبتم مثليها } أو والحال أنكم قد أصبتم منهم مثليها ببدر، قتلتم سبعين وأسرتم سبعين، والأسر كالقتل، ولم يأسر المشركون بأحد أحدا، ولا مانع من أن يكونوا قتلوا أول أحد سبعين،ولو شهر أنهم قتلوا أقل، وقيل: قتلوا سبعين، وقيل خمسا وسبعين وأسروا سبعين كما مر، وقيل: المثلان الهزيمتان هزموا المشركين يوم بدر وهزموهم أول مرة فى أحد { قلتم } ما قبل لما مسلط على جوابها، أى أو قلتم لما أصابكم { أنى } من أين { هذا } وقدر بعض، أنى أصابنا هذا، أى هذا الذى أصابنا من القتل والانهزام مع أنا مؤمنون بنصر الله ورسوله، بقوله المنافقون إنكارا لنبوته صلى الله عليه وسلم وضعفاء المؤمنين تعجبا وطلبا لوجه ذلك { قل هو } الذى أصابكم { من عند أنفسكم } بإلحاحكم بالخروج إلى أحد، وترك المركز، وبما روى عن على إن صح، أن جبريل عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقال: إن الله كره ما صنع قومك من أخذهم الفداء، وقد أمرك أن تخيرهم بين قتل الأسرى وبين أن يأخذوا الفداء، على أن يقتل منهم عدة الأسرى فى حرب أخرى، فقالوا: يا رسول الله، نأخذ الفداء نتقوى به ونقتل منا بعدتهم شهداء ، لا نقتلهم وهم عشائرنا وإخواننا، فكان القتل بأحد، ويكون الجواب بمن ترجيح أن يقدر معنى أنى بمن أين، ولا يتعين ذلك لى لجواز أن يتحالفا بذلك مع صحة المعنى { إن الله على كل شىء } من النصر وغيره { قدير } فمن ذلك نصره لكم حين وافقتم، وخذلانه لكم حين خالفتم، وقيل: وعد بالنصر بعد، فيكون جمع التوبيخ والوعد.
[3.166]
{ ومآ أصآبكم يوم التقى الجمعان } جمع المشركين وجمع المؤمنين، من قتل وهزم، وهو يوم أحد { فبإذن الله } بقضائه بإدالة الكفار عليكم أو بتسليطه إياهم عليكم، والتحلية من لوازم الإذن، وهى مرادة فى التسليط، أو بعلمه كقوله وأذان من الله، أى إعلام، إلا أن الإخبار بأن ذلك بعلمه لا يفيد التسلية والمقام لها، ومعلوم أن علمه عام، وما أصابهم يوم التقى الجمعان شىء معلوم عندهم لا عموم وبإبهام، فلا تكون ما موصولة عامة تشبه الشرطية فتكون الفاء بعدها ولا شرطية لعدم العموم، الجواب أنها موصولة عامة أو شرطية وجه العموم أن تقدر، وما يتبين أنه أصابكم،أو ما أصابكم كائنا ما كان، وذلك من تقدير الإبهام والعموم فى المعلوم المخصوص، وإذا جعلت شرطية فالتقدير فهو بإذن الله، لأن الجواب لا بد أن يكون جملة أو فعلا،ويجوز تقديره هنا فعلا يصح شرطا، ومع ذلك يقرن بالفاء للفصل بينه وبين الفاء بشىء، هكذا، فبإذن الله وقع، يقال إن جاء زيد فبالدراهم يكرم بالفاء مع جزم يكرم { وليعلم المؤمنين } عطف على بإذن الله، عطف سبب، ولا مانع من عطف الجار المجرور على مثلهما مع اختلاف معناهما، نحو: جئت بالجند وفى الصبح.
[3.167]
{ وليعلم الذين نافقوا } أى ليعلم المؤمنين والمنافقين علم وقوع، طبق العلم الأزلى، أو ليتمير للناس ما فى علمه تعالى من إيمان المؤمنين ونفاق المنافقين، وأعاد يعلم تأكيدا، ولئلا يقترن الكفار والمؤمنون على نهج واحد { وقيل } الخ، عطف على نافقوا، قال المسلمون لهم حين انصرفوا عن القتال، وهم ثلاثمائة، رئيسهم ابن أبى، وقيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل، عبد الله بن عمر بن حرام من بنى سلمة، وعليه الجمهور، وتقدم غير ذلك { لهم تعالوا قاتلوا } بدل اشتمال من تعالوا، والربط بالمعنى، وهو كون القتال من لوازم التعالى، لا بالضمير، إذ لا يعود الضمير للجملة { فى سبيل الله } الكفرة { أو ادفعوا } ادفعوا الكفرة عن الأنفس والأموال، وادفعوهم بكثرة سواد المجاهدين فى سبيل الله، فإن كثرته تكسر همة العدو وتروعه، أى احضر يحصل بحضوركم قتال العدو، أو ادفعوهم بكثرتهم عن الأموال والأنفس، ولو لم تقاتلوا، أو ادفعوا عن أنفسكم اسم النفاق بالقتال أو الحضور ولو لم تقصدوا وجه الله عز وجل { قالوا لو نعلم قتالا لأتبعناكم } هذا مما يقوى كون قيل عطف قصة على أخرى،لا على صلة الذين، وإلا قال، فقالوا بالعطف، ومعنى، ولو نعلم قتالا، لو عرفنا أن ما ذهبتم له هو قتال لاتبعناكم، ولكن عرفناه إلقاء بالنفس للتهلكة لكثرة عدوكم ولتجربتنا، أنه كلما خرجنا من المدينة إلى عدونا يغلبنا، أو لم نعرف كيفيته ولم نجربه، ولو عرفنا ذلك لاتبعناكم، والوجهان الأخيران استهزاء وغش، وذلك أول ما صرحوا به من نفاقهم { هم للكفر } أى قربهم إلى اعتقاد الشرك ونصرة أهله { يومئذ } يوم إذ قالوا منصرفين عن أحد، لو نعلم قتالا لاتبعناكم متعلق بقوله { أقرب منهم } أى من قربهم { للإيمان } إلى اعتقاد الإيمان ونصرة أهله، لأن انصرافهم عن أحد ضعف فى قلوب المؤمنين وقوة قلوب المشركين، وقيل ظهور هذا منهم هم أقرب إلى الإيمان منهم إلى الكفر بحسب الظاهر، واللام الأولى متعلقة بالمضاف المقدر، والثانية متعلقة بمضاف مقدر أيضا كما رأيت، وهما بمعنى إلى، أو بمعنى من ولم يتحد متعلقهما { يقولون بأفواههم } من الإيمان { ما ليس فى قلوبهم } منه، وذكر الأفواه مع أن القول لا يكون إلا منها تأكيدا أو تصويرا لحقيقة القول بصورة فرده الصادر عن آلته، التى هى الفم، كقوله تعالى:
ولا طائر يطير بجناحيه
[الأنعام: 38]، أو مبالغة بأن القول بجميع الفم، كقوله تعالى:
يأكلون فى بطونهم
صفحة غير معروفة