تيسير التفسير

اطفيش ت. 1332 هجري
196

تيسير التفسير

تصانيف

" ألا أنبئكم بخير من ذلكم، فقرأ ذلك "

، يعنى، أن المغفرة بما ذكر فى الآيات خير من المغفرة بنحو جدع الأنف، فأنتم خير منهم، وهؤلاء السائلون توهموا أن التصريح بجزاء الذنب أنه كذا تفضيل، لأنه يوقن أنه مغفور، ونحن نرى ذلك تضييقا.

[3.135]

{ والذين إذا فعلوا فاحشة } الفعلة القبيحة شرعا وعقلا، كالزنا والقتل، قولا أو فعلا أو عقدا، مما لا يتعدى إلى الغير، أو يتعدى، والتاء للنقل عن الوصفية إذ تغلبت عليه الاسمية { أو ظلموا أنفسهم } مما دون ذلك مما لا يتعدى، أو يتعدى، كسرقة ثمرة أو حبة، أو قبلة { ذكروا } بقلوبهم { الله } عظمة حقه، وهو أن يطاع ولا يعصى، أو عقابه أو حكمه بالتحريم، أو سؤاله أو غفرانه { فاستغفروا لذنوبهم } ندما وتوبه { ومن يغفر الذنوب } الاستفهام نفى { إلا الله } بدل من ضمير يغفر، والجملة معترضة { ولم يصروا على ما فعلوا } من الفواحش وظلم النفس، بل أقلعوا، ثم إن عادوا أقلعوا وهكذا { وهم يعلمون } أن ما فعلوه معصية، أى لم يصروا عالمين أنه معصية، وهذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لم يصله خبر المعصية، وأما بعده فلا عذر والجاهل دون العالم فى المعصية إلا أنه قد يتعدى به الجهل إلى تحليل الحرام أو تحريم الحلال، والإصرار العزم على العود، أو الاهتمام به، أو العزم أو الاهتمام على ألا يتوب مما فعل ولو اعتقد ألا يعود ولا إصرار إن فعل ولم ينو ألا يتوب أو أن يعود، وقيل: إن لم يتب فى الحال فهو مصر، آخى صلى الله عليه وسلم بين ثقفى وأنصارى مسافر معه صلى الله عليه وسلم فى غزوة فاستخلف الأنصارى على أهله، فدخل يوما دار الثقفى فوافى زوجه عارية من مغتسل فأراد قبلتها، فسترت وجهها بيدها فقبل يدها، وندم، وخرج تائها نادما، ولما رجع من سفره بحث عنه، فوجده في صحراء ساجدا مستغفرا من ذنب قائلا، خنت أخى، فقال له، أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنبك، فأخبره، وضم التيهان الثمار امرأة جاءته تشترى تمرا وقبلها، وندم، وأخبره صلى الله عليه وسلم فنزلت فيهما، وقال: هى لكل مسلم، ويجوز أن تكون الآية تعريضا يقوم أصروا وهم يعلمون، فلا تفيد أنه من أصر بلا علم معذور، فإن هذا لا يوجد بعد تمام الدين وانقطاع الوحى فيما يدرك بالعلم، ولو كان قد يسهل له إذا لم يكن جهله عن تقصير فى طلب العلم به، أو يقدر، وهم يعلمون أن الله يتوب على من تاب، أو يعلمون المؤاخذة به وعفو الله.

[3.136]

{ أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها } يدخلونها مقدرين الخلود، أو يجزون بها مقدرين الخلود، أو يعتبر ما فى جزائهم من معنى يجزون، والذين آمنوا ثلاث طبقات فى هؤلاء الآيات، متقون، وتائبون، ومصرون، ودلت على أن الجنة للمتقين والتائبين دون المصرين، لأنه ولو لم يكن فيها الحصر لكن يتبادر ذلك من أدلته من خارج، وهو التقييد بالتوبة فى كثير من الآيات والأحاديث { ونعم أجر العاملين } المغفرة والجنات، والعمل ترك المعاصى وفعل الطاعات، وذكر أحدهما مغن، لأن ترك الواجب معصية، فيجب ترك هذا الترك، وترك المعصية طاعة.

[3.137]

{ قد خلت } مضت { من قبلكم } الخطاب للمؤمنين، وقيل للكفار { سنن } قيل، طرق فى الأمم السابقة، من إهلاك بعض بالطاعون، وبعض بالخسف، وبعض بالرجم، وبعض بالصيحة، وبعض بالإعراق وغير ذلك بسبب كفرهم بعد إمهالهم فلا تعجلوا وتضيقوا بوقعة أحد، وهذه تسلية للمؤمنين، ويجوز على ضعف أن يكون سنن بمعنى أمم، كقوله:

ما عاين الناس من فضل كفضلكم

ولا رأوا مثله فى سالف السنن

صفحة غير معروفة