.. إلخ، أى لا يترك، لقول اليهود والمشركين تصير البعوضة فما فوقها فى الصغر كجناحها مثلا، أو فى الكبر كائنا من كان، ويصير المثل شيئا ما بعوضة فما فوقها، وإذا ضرب ما زاد على البعوضة فى الصغر فأولى أن يضربه بما فوقها فى الكبر كالذباب والعنكبوت، والحياء إنكسار وانقباض عن عيب، والله منزه عن ذلك، فيحمل فى حقه على لازم ذلك، وهو الترك فالاستحياء من الله التركن تعبير باللازم، لأن حقيقته ينزه الله عنها، وهى انكسار يعترى لإنسان لخوفه من أن يعاب بما فعل، أو أراد فعله، وهو مشتق من معنى الحياة، لأنه يؤثر فى القوة، ولا يحسن أن يبقى على ظاهره، ويوكل أمره إلى الله عز وجل، وقد ألهمنا تأويلا صحيحا بلا تكلف، ولا أن يقال، هو بظاهره بلا كيف، لأنه كفر، والخجل حيرة النفس لشدة الحياء وقيل قبل الفعل، والخجل بعده { فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه } أى المثل هذا أولى، لأنه أقرب. أو الضرب لأنه مصدر لفعل مقرون بأن، وليس من باب اعدلوا هو أقرب، ويبعد عوده لترك الاستحياء، وأبعد منه عوده للقرآن { الحق } الثابت أو خلاف الباطل حال كونه { من ربهم } أو الحق الصادر من ربهم { وأما الذين كفروا } يهود وغيرهم { فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا } من حيث التمثيل إنكارا أو تعجبا من صحته مثلا وهذا برهان على أنهم لا يعلمون، إذ لا يقوله من يعلم فهو أبلغ من قولك وأما الذين كفروا فلا يعلمونه حقا، وأجابهم الله عز وجل، ونصب مثلا على التمييز كما رأيت من اسم الإشارة، لجواز تمييزه وتمييز الضمير إذا كانا مبهمين، أو حال منه { يضل به } بالمثل { كثيرا } من الناس، يصيرهم ضالين لكفرهم به { ويهدي به كثيرا } لتصديقهم، فإن التصديق هداية من الله عز وجل { وما يضل به إلا الفسقين } من سبق القضاء عليه بأنه يموت على فسقه، الذى هو شرك، ومن لم يؤمن به وسيؤمن فإن إنكاره فسق يتوب منه، والسعيد فى حال فسقه فاسق عند الله عز وجل بما فعل لكنه فى ولاية الله عز وجل بما علم أنه يتوب، فهو فاسق فى الحال يفعله، ومسلم فى الأزل وما بعده لسعادته، وليس المراد أنه مسلم كافر عند الله باعتبار واحد، ولا أنه اجتمع فيه إيمان وكفر فى حال واحد، ولا تقدر أن تقول هو فى حال فعله للكبيرة أن فعله هذا مباح، ولا أنه طاعة، ولا غير ذنب ولا غير فسق، ولا غير كفر، وكل خروج عن الشىء فهو فسق إلا أنه لا يطلق حيث يوهم، والهداية والإضلال يتجددان ويزدادان، فإن شئت فقل: يزيد به هدى وإضلالا، وقدمه، لأن الكلام فى الرد على الضالين، وقولهم، ماذا أراد الله ناشىء عن الضلال، وما فى القرآن سبب له، ولذلك أكده بقوله، وما يضل به إلا الفاسقين، فيكون بدأ به وختم به.
[2.27]
{ الذين ينقضون عهد الله } يبطلون إبطالا شبها بفك طاقات الحبل، العهد الشبيه بالحبل فى التوصل به إلى المراد، من نجاة من مكروه، وفوز بما يحب، وهو ما أنزل الله عز وجل فى كتبه، القرآن وما قبله، من الإيمان به صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك كالمعلوم ولو لم يعلم لقوة حججه كأنه معلوم، ولو لمن لم يعلمه، وزاد أهل الكتاب بما فى كبتهم من أخذ الميثاق عليهم وعلى أنبيائهم، أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد أخذ الله العهد بالإيمان على بنى آدم يوم قال: { ألست بربكم } ، وأخذ الله العهد على الأنبياء، أن يقيموا الدين ويؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ العهد على أنفسهم، أن يؤمنوا به، وأخذا العهد على العلماء، وعلى من علم أن يبينوا الحق، والآية فى الكفار عموما، شبه العهد، وهو ما عهد الله عز وجل إلى الخلق من الدين بالحبل بجامع التوصل إلى المقصود والارتباط، ولم يذكره، ودل له بذكر مناسبه، وهو النقض، فالحبل استعارة بالكناية، وقرينتها تصريحية تبعية، وهى ينقض، فهنا استعارة مكية، قرينتها استعارة تحقيقية لا تخييلية، شبه إبطال العهد بقطع الحبل أو فك طاقاته، فسمى الإبطال نقضا، واشتق منه ينقض { من بعد ميثقه } تأكيد الله وإبراامه للعهد بالأدلة الفعلية والنقلية، كالكتب من الله، فالهاء للمضاف إليه، وهو الله، ولا إشكال فيه، إذا كانت الإضافة لفظية، كالإضافة إلى الفاعل كما رأيت، أو المفعول كما ستراه، إن شاء الله، فإنها فى منزلة عدم الإضافة أو من بعد ميثاق العهد، أى إبرامه كذلك أو تأكده وتقويه من الله، أو منهم بالقبول والالتزام، فالهاء للعهد، والميثاق التوثق أو التوثيق، أو آلة. أى ما وثق الله تعالى به عبده من الآيات { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } أى بأن يوصل، وهو الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء، وعدم التفرقة بين رسول الله وآخر، وكتاب آخر، والرحم، والمؤمنين، والجهاد وسائر الدين، وما ذكر من العموم أولى فى تفسير ما أمر الله به، بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإطلاق ما عليه، ومن تفسيره بالقرآن أو الرحم، ومن تفسيره بوصل القول بالعمل، ومن تفسيره بالأنبياء وأن يوصل بدل اشتمال من الهاء كما رأيت، والأمر طلب الفعل جزما ولو ندبا، أو بشرط العلو ولو ادعاء، أو بشرط تحقق العلو { ويفسدون في الأرض } بالمعاصى مطلقا، أو بالمنع عن الإسلام، وقطع الطريق عن من يهاجر، وهو أولى { أولئك } البعداء عن مقام الخير بصفاتهم الخبيثة { هم الخسرون } المبطلون لمصالح أنفسهم، إذا صاروا للنار، إذ لم ينتفعوا للآخرة بعقولهم، وأموالهم، وأبدانهم، وأولادهم، جاههم، وأبطلوا نساءهم فى الجنة ومنازلهم فيها، فلا رأس مال ولا ربح.
[2.28]
{ كيف تكفرون بالله } وبخهم الله على ما مضى من الكفر واستمراره، أو أنكر علهيم لياقته بحال صحة ومرض، وسير وعسر، وعز وذل وغير ذلك من الأحوال، أو ذلك تعجيب، وذلك لقيام البرهان، ولخطاب لأهل مكة، ونزلت الآيتان فيها، وجعلتا هنا على ترتيب اللوح، أو حطاب لهم من المدينة بعد غيبرة، وتأكيدا عليهم، كما يغتاب ثم يخاطب مخافة ألا يصل الكلام، حاشا لله عز وجل، أو خطب لكل من كفر، كيف يكفر كافر، والحل أنه كان غير موجود ثم، وجد، كما قال { وكنتم أمواتا } المراد بالموت فى الحياة، بقطع النظر عن أن تكون قد تقدمت، لا نفيها بعد أن كانت، لأن الإنسان لم يكن حيا ثم مات أو أراد أنهم كانوا نطفا، والنطفة كانت حية فى الإنسان وماتت بالانفصال، وحييت فى الرحم، أو كنتم كأموات، وعلى كل حال لا يشكل أنهم فى الجماد لا يوصفون بموت ولا حياة { فأحياكم } فى الأرحام { ثم يميتكم } لآجالكم { ثم يحييكم } فى قبوركم ويخرجكم { ثم إليه ترجعون } للجزاء.
[2.29]
{ هو الذى خلق لكم } أى أجلكم، أو ملك لكم { ما في الأرض جميعا } حتى العقارب والحيات والسباع، فإنكم تنتفعون بها اعتبارا، أو انزجارا عن عقاب الله، كما تنتفعون بالثمار، والمعادن، والماء، والحيوان، وما فى السم نفع لقتل المؤذيات ولا ينتفع بسم الميتة ولا يباع ولا يشترى، بل سم غيرها، وسم المعدن، أو أراد بالأرض ما في جهته السفل، فيشمل الأرض نفعها، وما فيها، استدل المعتزلة والفخر بالآية على أن الأشياء قبل ورود الشرع على الحل إن كانت نافعة، وعليه كثير من الشافعية والحنفية، ولا تحتمل الآية أن اللام للضرر، مثل { وإن أسأتم فلها } ولا دليل على أن المراد بالآية الإباحة، على شرط نزول الوحى بها، وقيل، إنها قبل الشرع على الحظر، وقيل بالوقف، والأول أولى { ثم استوى } بعض خلق الأرض، المدلول عليه بخلق ما فى الأرض، واستواؤه هنا توجه إرادته، واختار الجهل عن العلم من وكل أمره إلى الله، وقد وجد له تأويلا، وهلك من قال، إنه على ظاهره، لكن بلا كيف، ويتم هنا تفسير استوى بملك، لقوله إلى وقوله ثم إلا بتكلف أن إلى بمعنى على، وقد ملكها قبل، ولا باستولى لتكلف توجيه الغلبة على الجماد، وثم لتراخى الوقت، وإن قلنا للرتبة فلا نقض بها، والصحيح أن السماء أفضل من الأرض، من حيث إنها محل الطاعة التى لا معصية معها، والأرض أفضل من حيث إنها للأنبياء، والرسل والمؤمن أفضل من الملائكة، والأرض أسبق خلقا على الصحيح { إلى السماء } أى إلى إيجادها كما أوجد الأرض، وخلق ما فى الأرض متأخر عن خلق السماء تشخيصا، لكنه متقدم ضمنا، فخلق ما يخلق منه الحيوانات مثلا خلق لها، فإن الله عز وجل خلق الأرض بلا بسط فى يومين، وخلق السماوات وبسطها فى يومين، وبسط الأرض وخلق ما فيا فى يومين { فسواهن } أى صير السماء، وأتى بضمير الجماعة لإرادة الجنس، ولتعدد ما بعده فى قوله { سبع سموت } كقوله تعالى
فإن كن نساء
[النساء: 11] فمقتضى الظاهر، وإن كانت، أى الأولاد، ولكن قال: كن، لقوله: نساء، وقدم هنا وفى السجدة ما أخر فى النازعات، لأن المقام فيهما للامتنان على المخاطبين، وفى النازعات للقدرة، ومعنى تسويتهن سبعا خلقهن من أول مستويات، كقولك، وسع الدار، أى بانها واسعة، وسبع بدل من الهاء، عائدة إلى السماء، أو إلى، بهم مفسر به، أو مفعول ثان يتضمن معنى صبر، وهو ضعيف، أو حال مقدرة { وهو بكل شيء عليم } إجمالا وتفصيلا، وذواتا وأحوالا، فمن قدرته وعلمه ذلك كيف يجحد، أو كيف ينسب إليه العجز عن إعادة الخلق، مع أنه خلق السماوات والأرض، وخلق الدخان من الماء قبل الأرض، ولما خلق الأرض استوى إلى السماء وهى دخان، وسواها سبعا، ثم بسط الأرض وفتقها سبعا، وكان بسطها وفتقها فى الأحد ولاثنتين، وهن بعض فوق بعض كالسماوات، وقيل: بعض يجنب بعض، يفصل بينهن البحار وتظل السماء عليهن.
[2.30]
صفحة غير معروفة