، فإن أبى من التوبة فماله فىء للمسلمين، الذى أربى به وسائر ماله، وما فى دار الإسلام لورثته، وما كسب بعد الردة فىء للمسلمين وإن لم يستحلوه، ولهم شوكة لم تسلم لهم رءوسهم، ولهم رءوس أموالهم، وعن ابن عباس: من عامل الربا يستتب وإلا ضرب عنقه، وقيل، يحبسون ولا يمكنون من التصرف فما لم يتوبوا لم يسلم لهم شىء، بل إنما يسلم لورثتهم إذا ماتوا.
[2.280]
{ وإن كان ذو عسرة } حصل متداين مداينة حق بالربا، فطالبهم بها أصحابها فشكوا العسرة، وقالوا، أخرونا إلى الإيسار فنزل ، وإن كان ذو عسرة { فنظرة } فعليكم يا أصحاب الأموال، أو الواجب عليكم يا أصحاب الأموال انتظار لهم وعدم مطالبتهم بها، أو فقد تجب نظرة { إلى ميسرة } وجود يسر، فحينئذ تطالبونهم بأموالكم، واليسر الغنى، فمن وجد ما يقضى به دينه فهو غنى من حيث وجود ذلك ولو حل له أخذ الزكاة إذا لم يكن له إلا ذلك، أو مع قليل، وهذا الوزن شاذ، وقيل هو مفرد جمعه، أو اسم جمعه، ميسر بلا تاء، كما قيل مكرم جمع مكرمة، وقيل: أصله ميسورة، خفف بحذف الواو، { وأن تصدقوا } تتصدقوا على من لكم عليه دين، من معسر بالدين كله أو لبعضه بمعاملة حق، أو بوجه ما بلا ربا { خير لكم } مما تأخذون لمضاعفة ثوابه ودوامه، أو أكثر من الإنظار، مع أن الإنظار واجب، فهذا من النفل الذى هو أفضل من الفرض، كابتداء السلام سنة أفضل ثوابا من رده الواجب، وكالوضوء قبل الوقت نفلا أفضل منه فى الوقت فرضا، وقيل: المراد بالتصدق الإنظار، مجازا باستعارة للشبه، ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره إلا كان له بكل يوم صدقة "
، والمراد المسلم المعسر، وأما دين الربا فلا يحل لأحد المتعاملين به أن يتصدق به على الآخر، لأنه حرام بمعاملة حرام ولا ثواب له على ذلك ولا إباحة، بل يجب على كل منهما أن يرد للآخر، لا يجوز أن يجعله فى حل، ولا أن يقتص له بما عليه؛ فقوله: وإن كان ذو عسرة خارج عن الربا، لقوله صلى الله عليه وسلم:
" لا محالة ولا تقاضى فى الربا "
، ولما علمت من أنه نزل فى قوم دانوا دينا مباحا وأعسروا، وهب أنه فى الربا، لكن من فعله نزلو آية الربا، أو قبل علمه بنزولها، وهو على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بعده، لبعد موضعه حتى يصله نزولها، وهذا تكلف أيضا، ولا بأس بإنظار المعسر فيما يرده بلا زيادة إلا أن الآية لا تشمله، لقوله تعالى: { وأن تصدقوا } إلا أن يحمل التصدق على دين الحلال، والإنظار عليه وعلى الربا، ونسب لابن عباس وغيره، أنه يجب إنظار المعسر من الربا، والصحيح إن تاب ولا زيادة { إن كنتم تعلمون } أنه خير فافعلوه، أو إن كنتم تعلمون ما فيه من الذكر الجميل فى الدنيا والأجر الجزيل فى الآخرة، والذكر الجميل مطلوب للمؤمنين، قصد الانخراط فى سلك السعداء، لا رثاء.
[2.281]
{ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } يوم القيامة أو يوم الموت، لأن الموت القيامة الصغرى وأول ملاقاة الجزاء بالثواب والعقاب، والنظر من قبره إلى منزله، والجنة والنار { ثم توفى كل نفس ما كسبت } جزاء ما عملت من شر كعدم إنظار المعسر، أو خير بإنظاره وكالتصدق عليه، وفى الحديث، من أنظر معسرا، أو وضع عنه، أى كلا أو بعضا، أظله الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله، رواه مسلم، وثم للتراخى فى الزمان، لأن التوفية فى الجنة والنار، سواء فسرنا اليوم بيوم الموت أو القيامة، ويجوز أن تكون للتراخى فى الرتبة، إذا فسرناه بيوم الموت لأن ما يلقى فى الجنة أو النار أعظم مما فى القبر { وهم لا يظلمون } بنقص الثواب فى جنب السعداء، ولا بزيادة عذاب فى جنب الأشقياء، وأما مضاعفة الثواب فمن حقهم، استحقوها بأعمالهم، ونفس الخلود بالنبات، لأن نية الشقى الاستمرار على المعاصى، منافقا أو مشركا، وفى كتب الحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما، أن هذه الآية آخر آية نزل بها جبريل عليه السلام، نزل بها، وقال: ضعها فى رأس المائتين والثمانين من البقرى أو هو الصحيح، وقيل: المراد آخر آية نزلت فى البيوع كما أخرجه البيهقى، وعاش صلى الله عليه وسلم بعدها واحدا وعشرين يوما، وهو المختار، لأنه عاش بعد قوله تعالى:
اليوم أكملت لكم دينكم
صفحة غير معروفة