[2.257]
{ الله ولى الذين ءامنوا } ناصرهم ومتولى أمورهم، ومعينهم ومحبهم وفاعل الخير بهم { يخرجهم من الظلمت } الشرك والنفاق وما دونهما الشبيهة بالظلمات فى المضرات وعدم الاهتداء إلى مقصود، والجمع لتعدد الإشراك ولو من واحد، كالنفاق، أو أراد الأمور الموصلة إليها، وهى الجهل واتباع الهوى والوسواس والشبهة { إلى النور } التوحيد والإيقان والعمل الصالح، وترك المعاصى، شبه ذلك بالنور الحسن للحسن والاهتداء به، أو من ظلمات الشكوك إلى نور البينات وكل ما فى القرآن من النور والظلمة إيمان وكفر، إلا قوله تعالى وجعل الظلمات والنور، فالليل والنهار، وأل للحقيقة، وأفرد النور لاتحاد دين الله، بخلاف دين الشيطان، فإنه سبل لا حد لها، فجمعهما بلفظ الظلمات، أو أفرد النور لقلة أهله، وجمع الظلمة لكثرة أهلها، ل المراد بالذين آمنو من قضى الله إيمانهمن أو أرادوا الإيمان إرادة محققة، أو فعلوا الإيمان فعلا لا ينقصونه، والما صدق واحد، وكذا فى قوله { والذين كفروا } أشركوا ونافقوا { أولياؤهم الطغوت } تقدم أنه مفرد يقال للواحد وغيره، واختار سيبويه أنه غير مصدر، وأنه مفرد مذكر والجمع والتأنيث، حيث كون، باعتبار الآلهة، وقال المبرد جمع، ورد بقوله تعالى، إن يكفروا به، ولعله أراد اسم جمع فساغ إفراد ضميره { يخرجونهم } يصيرون سببا للخروج، فذلك من الإسناد إلى السبب، وهو الوسوسة، أو الكون بحال جرى اعتقادهم النفع فيهم والضر، وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى، وضمير العقلاء تغليب، أو هى عندهم عقلاء، على أن المراد الأصنام { من النور إلى الظلمت } إما أن يكون المعنى الذين قضى الله كفرهم يخرجهم الطاغوت من الإيمان الذى لهم قبل النبى صلى الله عليه وسلم بموسى وعيسى، والتوراة والإنجيل، وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن قبل بعثته إلى الكفر بمحمد والقرآن بعد بعثته، والواو للطاغوت، وإما أن يراد مطلق المنع لمطلق الكافر، أسلم قبل أم لم يسلم، وعبر بالإخراج لمشاكلة يخرج قبله، وإما أن يراد الإخراج من الإسلام الفطرى، أو من نور البينات إلى ظلمات الشكوك، فإن وضوحها مما يوجب الإيمان بها، كأنهم آمنوا ثم خرجوا من الإيمان، والآية شاملة لمن ارتد، فإنه أخرج من نور الإيمان إلى ظلمات الشرك، كما قيل نزلت فى قوم ارتدوا، وخصوص السبب لا ينافى عموم الحكم { أولئك أصحب النار هم فيها خلدون } اعتبر يا محمد إخراج الطاغوت من النور إلى الظلمات، ومن ذلك حال نمروذ بضم النون، وقد تفتح، وإعجام الذال، وقد تهمل كما قال جل وعلا.
[2.258]
{ ألم تر إلى الذى حآج إبراهيم } إلى قصة الذى جادل إبراهيم، فإنها ظاهرة الفساد، كالشىء المحسوس بالعين، والاستفهام تعجيب وإنكار للياقة حاله { فى ربه } فى رب إبراهيم، أو فى رب الذى حاج، والأول أولى، لأن إبراهيم معترف بالله عز وجل، ووجه رد الضمير إليه تقبيح حاله فى إنكاره من ملكه ورباه وأنعم عليه { أن ءاته الله الملك } تعليل للمحاجة وإيتاء الملك علة لها، أورثه ملكه بطرا، ونشأت منه المحاجة، والتقدير، لأن آتاه الله الملك، وزعم بعض أن المصدر منصوب على الظرفية، أى إيتاء الله الملك، والمعنى وقت إيتائه، كقولك، جئت طلوع الشمس، وإيتاء الملك متقدم على المحاجة، لكنه ممتد باعتبار البقاء إلى وقت المحاجة وبعدها، ويجوز اعتبار أن كل إبقاء ولو أقل من لحظة هو إطاء، ويرده أن المصدر المنصوب على الظرفية يكون حاصلا صريحا لا محصلا بالتأويل، أو أن يكون محصلا لما بعد ما المصدرية، نحو لا أحىء ما دام زيد قائما، أو ما بقى حيا، فتعين التلعيل كما فسرته، أو التعليل التهكمى فإن الحق أن يؤمن بالله ويعطيه، شكرا على ما آتاه الله، لكنه وضع الكفر موضع الشكر، وهو أول من وضع التاج على رأسه، وتجبر وادعى سليمان وذو القرنين، ولا يجب الأصلح على الله، ولا واجب عليه تعالى، فملك الله عز وجل كافرين، ولا قبح فى ذلك، بل حكمة وعدل، ولا قبح فى تغليبه، وذكر بعض المعتزلة، أن المعنى أتاه ما غلب به من المال والأتباع، وهو ظاهر الآية بلا شك، لكن لا يخفى أن إيتاءه تغليب، وهم منعوه، ويرده أن إيتاء الأسباب على زعمهم قبيح أيضا، ونحن لا نعتبر التقبيح والتحسين الفعليين مع أنه لا قبيح إلا ويمكن فيه غرض صحيح كالامتحان { إذ } بدل من مصدر آتى المنصوب على الظرفية الزمانية إن نصبناه على الظرفية، وقد مر رده، أو متعلق بحاج، وهو الصحيح { قال إبراهيم ربى الذى يحيى } مالا حياة فيه { ويميت } ما فيه حياة، ولو بلا قتل ولا مضرة، أو يخلق الحياة والموت على أن الموت أمر وجودى يضاد الحياة، والراجح أن الموت أمر عدمى لا يتعلق به الخلق، كذا قيل، ولا يخفى أن الأعدام المضافة إلى الملكات يتعلق بها الإيجاد والخلق والملكة الفعل والوجود، كما قال الله تعالى: خلق الموت والحياة { قال } الذى حاجه { أنا أحيى } ما أردت { وأميت } ما أردت، أو أخلق الحياة والموت، وهذا كفر عناد، لأنه أنكر الله، فمن يحيى ويميت قبل أن يوجد، وكيف يحيى من لم يحضر أو يميته أو لم يعلم به، إذ لم يقل، أنا أحيى وأموت كما يحيى ربك ويميت، أو كان غبيا يرى أن حياة الميت بالطبع وموت الحى بالطبع، أو بقتل قاتل أو مضرة، وأراد بالإحياء ترك الحى بلا قتل له، بالإماتة القتل، كما قيل: إنه أتى برجلين، فقتل أحدهما، وأبقى الآخر، فقال: هذا إحياء وإماتة، وهذا أمر شاركه فيه كل قادر على قتل، وكأنه خص نفسه لقدرته على القتل، وأعرض إبراهيم عن هذه الحجة لظهور بطلانها لكلك أحد، إلى حجة تدفع الشغب والشبهة، وتظهر بطلانه وتزيد إثبات الإحياء والإماتة لله بقوله { قال إبراهيم فإن الله } أى إن كانت لك قدرة كقدرة الله فإن الله الخ، أو إن لم تفهم معنى الإحياء، والإماتة المنسوبين لله فإن الله.
.. الخ، وحال نمروذ إذا ادع الربوبية دعوى أنه يقدر على فعل كل جنس يفعله الله فنقضه إبراهيم عليه السلام بقوله: فإن الله { يأتى بالشمس من المشرق } أل للحقيقة أى من مطالعها { فأت } أمر تعجيز له { بها من المغرب } ولو مرة واحدة، أو من مغاربها فى أيام السنة فتغرب فى مطالعها، { فبهت } حعل باهتا، أى متحيرا ذاهل العقل من حجة إبراهيم عليه السلام، أو عاجزا عن الحجة فيما يدعيه، أو عن الحق الذى يجب أن يقوله ويهدى قومه إليه، وهو على معنى البناء للمفعول أو معناه تحير فهو من أفعال يذكرون أنها مبنية للمفعول ومعناها البناء للفاعل، فيقال فى مرفوعها فاعل كزكم وجن وعنى وأولع وزهى، وقد أبقيتها على معنى البناء للمفعول فى بعض الكتب { الذى كفر } نمروذ المحاج، وذلك بعد كسر إبراهيم عليه السلام الأصنام وحبسه على كسرها، وقيل الإلقاء فى النار لا بعده كما زعم بعض، ولما أعجزه بالحجة تجبر بالإلقاء فيها كفرعون لما أعجزه موسى عليه السلام تجبر بالقتال { والله لا يهدى القوم الظلمين } لأنفسهم وغيرهم بامتناعهم عن النظر الصحيح، نمروذ وغيره، لا يهديهم إلى طريق الجنة يوم القيامة، أو لا يوفقهم بعد أن يبين لهم الحجج الموصلة إلى مناهج الحق، والنجاة من النار، والفوز بالجنة، والصحيح أنه لا يجوز للمحقق أن يترك حجة مخاصمة بلا إبطال، لئلا يتوهم المجادل المعاند أنه على الحق فيها، أو يتوهم السامع ذلك، وإنما فعل إبراهيم ذلك، لأن نمروذ والحاضرين عالمون يبطلان إحياء نمروذ وقتله لمن يشاء، وعالمون بأن ترك أحد بلا قتل ليس إحياء إلا مجازا، أو عالمون بأن الكلام فى إحياء من مات، وإماتة حى، وقيل: يجوز تركها بلا إبطال لها بحجة إذا انتقل إلى أقوى، ولا يخفى على نمروذ والحاضرين أن العجز على الإيتاء بالشمس من المغرب فتطلع منه إلى المشرق أقوى إبطالا.
[2.259]
{ أو كالذى } أو أرأيت مثل الذى، والكاف اسم، ولا تختص اسميتها عند القائل بها بدخول عن وحذف أرأيت لدلالة ألم تر، والاستفهام للإنكار، أى ما رأيت مثل الذى... الخ فتعجب منه، أو للتقرير، أى قد رأيته مثل الذى... الخ فتعجب منه، لأنه مثل التعجب، فالكاف مفعول به لرأيت محذوفا، أو معطوفا على الذى كأنه قيل: وإلى كالذى مر، إلا أن اسمية الكاف مختلف فيها، ودخول الجار عليها ينبغى أن يخص بعن، إذ هو الوارد، وأو للتخيير مع صحة الجمع، أو هى بمعنى الواو، والكاف لكثرة من ينكر البعث، أو يجهل كيفيته، بحلاف مدعى الربوبية، أو الكاف صلة، أى: أو أرأيت الذى، أو العطف على المعنى كما يقال له فى غير القرآن عطف توهم، كأنه قيل: أم رترد كالذى حاج، أو كالذى مر... الخ ولتقدم إبراهيم على الخضر وعزير لم يصح ما قيل من أنه عطف على إيت بها من المغرب، أى فأت بها من المغرب، أو أحى كإحياء الله الذى، فيكون إبراهيم قد تعرض لإبطال قوله أحيى وأميت، وكأنه قال: إن كنت تحيى فأحى مثل إحياء الله الذى { مر } هو عزير بن شرحيا، أو الخضر، أو إسحق بن بشر أو أرميا بن خلفيا من سبط هرون وقيل: أرميا هو الخضر، وقيل المار شعيا، وقيل غلام لوط، أو كافر بالبعث { على قرية } قرية بيت المقدس إذ خربه بخت نصر، والقرية التى خرج منها الألوف حذر الموت، ولا يلزم فى اسم القرية أن تكون صغيرة قليلة الناس، ولا سيما أن الاشتقاق من القرآن وهو الجمع، لاجتماع الناس فيها، ولا حد للاجتماع، وقيل: دير سابراياد، وقيل دير هرقل، وقيل: المؤتفكة وقيل: قرية العتب على فرسخين من بيت المقدس، والأشهر الأول { وهى خوية } على حذف مضاف، أى حيطانها خاوية، أى ساقطة { على عروشها } سقوفها الأوائل والثوانى، وما فوق ذلك إن تعددت، بأن يسقط السقف، ثم ينهد الجدار عليه، ولزم من ذلك أن أهلها غير موجودين فيها. إذ لا يكونون فيها مع ذلك ولا يتركونها بلا بناء لو لم يذهبوا عنها، إما بالخروج أو بالموت، أو ذلك كناية عن ذهاب أهلها، سواء أسقطت أم لم تسقط، لجواز ألا يوجد معنى ما وضع له اللفظ فى الكناية وعلى متعلق بخاوية كما رأيت، ويجوز تعليقها بمحذوف، أى خاوية عن أهلها، ثابتة على عرشها لم تسقط، فهو خبر ثان، والجملة حال من ضمير مر { قال أنى } كيف أو متى { يحيى هذه } أى القرية، أى أهلها، أو سمى أهلها بلفظ هذه، أو إحياؤها مجاز عن عمارتها بإحياء أهلها، أو الإشارة إلى العظام البالية { الله بعد موتها } موت أهلها، أو بعد خرابها، سماه موتا مجازا، وذلك استعظام من القائل لقدرة الله، إن كان مسلما كالخضر وعزير، واستبعاد وإنكار إلى إن كان كافرا، أو استبعاد ولو كان مسلما عن طريق العادة، كقوله تعالى:
قالت أنى يكون لى ولد
[آل عمران: 47]،
قال رب أنى يكون لى غلام
صفحة غير معروفة