إن لبثتم إلا يوما
[طه: 104] ولكن لا مانع من أن يراد إلا عشر ليال مع قوله إلا يوما، وذكر بعض أن قاعدة تذكير المعدود وتأنيثه إنما هو إذا ذكر المعدود، وأما عند حذفه فيجوز الأمران مطلقا. والجنين يتحرك مطلقا لأربعة أشهر وزيد عشرة، إذ قد تخفى حركته فى المبدأ، ولا يتحقق ما قيل، إن الذى يتحرك لثلاثة والأنثى لأربعة، فاعتبر الأكثر، واستتم بعشرة لخفاء الحركة فى المبدأ، والآية لعمومها شاملة لغير المدخول بها، وقال ابن عباس، لا عدة لغير المدخول بها، والحامل المتوفى عنها تعتد عند على بأقصى الأجلين، وقال غيره، بأربعة أشهر وعشر، والجمهور على أن العدة من حين علمت بالموت ولو بعد امام الأربعة والعشر، وقيل من حين الموت { فإذا بلغن أجلهن } تمام أربعة أشهر وعشر { فلا جناح } لا إثم { عليكم } أيها المتولون لأمور الإسلام، كالأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وقيل الخطاب للأولياء { فيما فعلن فى أنفسهن } من التزيين للخطاب بالثياب، واللباس الحسن والكلام الحسن، وإظهار زينة الوجه واليد لهم، وإظهار الساق والشعر والصدر للنساء، ونحو ذلك مما يحل إظهاره لهن ليصفنه لمن يريد الزواج { بالمعروف } شرعا، لا بكشف ما لا يحل من بدن، ولا عند من لا يتقى الله ولا بخلوة به، وأما قبل بلوغ الأجل فى المطلقة فإنما تحبب لزوجها بأكثر من ذلك كله غير كشف العورة الكبرى، فإن رآها متولو الأمر تتعرض قبل بلوغ الأجل لغيره بكلام أو زينة أو تبرج، أو تتعرض له أو لغيره بعد بلوغ الأجل بغير المعروف فعليهم الإثم إن لم يمنعوها { والله بما تعملون } والخطاب لمن خوطب قبل، وقيل للأزواج { خبير } فيجازيكم.
[2.235]
{ ولا جناح عليكم } أيها الناس { فيما عرضتم به } لوحتم به من عرض الكلام، أى جانبه، واللفظ حقيقة، وفهم الملوح إليه ليس حقيقة ولا مجازا، وقيل: اللفظ غير حقيقة ولا مجاز، كما أن الكناية كذلك، إذا لم يرد المعنى الموضوع، كما إذ قلت كثير الرماد للجواد، حيث لا رماد له، ويقال: التعريض ، أن تذكر شيئا مقصودا بلفظه الحقيقى أو المجازى أو الكنائى لتدل به على شىء آخر لم يذكر فى الكلام، ويقال، مثل قولك: طويل النجاد كناية، ومثل قول الفقير: جئت لأسلم عليك كناية وتعريض، فبينهما عموم وخصوص من وجه { من خطبة } من الخطب وهو الشأن، أو الخطاب، والخطاب توجيه الكلام للإفهام، ومنه الخطبة بالكسر، وهى كلام يستدعى به إلى عقد النكاح، والخطبة بالضم الوعظ المتسق على ضرب من التأليف { النسآء } فى عدتهن من موت، أو زواجهن، مثل أن يقول: أنت جميلة، أو أنا أرغب فيك، وأحب مثلك، أو ليتنى وجدتك، إو إذا تمت عدتك فأخبرتنى، أو أريد التزوج { أو أكننتم } سترتم { فى أنفسكم } من قصد تزوجهن، وعلل قوله: { لا جناح عليكم... } الخ بقوله { علم الله } علما أزليا، ولا أول لعلمه ولا آخر، باعتبار النوع والشخص، لا النوع فقط { أنكم ستذكرونهن } لا طاقة لكم على الصبر عنهن فأباح لكم التعريض فى عدة الوفاء لا التصريح، وإنما تكون السين للتأكيد لو كان الذكر فى مسقتبل قريب، وليس المراد ذلك، بل علم فى الأزل بلا أول أنه سيخلفهم ويتزوجون ويموتون، فيقصد القاصد تزوج المتوفى عنها، والآية توبيخ للرجال على قلة الصبر عنهن، وعدم المجاحدة، فقال: اذكروهن { ولكن لا تواعدوهن } ولكن استدراك على محذوف، دل عليه ستذكرونهن، كما قدره المفسر بقوله اذكروهن { سرا } تزوجا تصريحا، سمى سرا لأنه سبب الوطء الذى يسر وملزومه، أو سرا وطئا، ولكن لا يصح هذا إلا على أن الاستثناء منقطع فى قوله { إلا أن تقولوا قولا معروفا } فى الشرع من التعريض، لا فحش فيه، أى لا تواعدوهن بالقول المستهجن، لكن واعدوهن بالقول المعروف، الذى لا يستحيا منه، أو متصل، أى لا تواعدوهن مواعدة ما إلا مواعدة معروفة أو إلا مواعدة بقول معروف، أو لا تقولوا فى وعد الجماع، أو طلب الامتناع عن الغير إلا قولكم قولا معروفا، فلا يقبل: رغبت فى وطئك، وقيل: لا تواعدوهن فى موضع سر، أى خفاء، فذلك مواعدة بالوطء، لأنه تكون فى الخفاء لقبحها، فلا يقل لها: إنى قوى الوطء، أو إنى أفعل كذا وكذا مما يكون تحت اللحاف، ويجوز التعريض للبائن بحرمتها أبدا بوجه من وجوه التحريم، أو بطلاق الثلاث، أو طلاق من تكون الاثنتان أو الواحدة فى حقها ثلاثا، والبائن التى لا يجوز مراجعتها وجاز تزوجه لها فى العدة منه أو بعدها فى قول، ولا يجوز التعريض فى بائن يصح رجعتها برضاها { ولا تعزموا عقدة النكاح } أى لا تعقدوا النكاح، وذكر العزم تأكيد للنهى، كالنهى عن فعل الشىء بالنهى عن قربه، فنهى عن العقد بالنهى عن سببه وملزومه، أو المراد حقيقة النهى عن العزم.
فكيف العقد، والعزم القطع، أى تبرموها، وذلك قطع للشك والتردد بالجزم، وقيل: لا تقطعوا عقدة نكاح الأول المتوفى، ورد بأنه لا يعرف العزم بمعنى صريح القطع، بل بمعنى قطع التردد، اللهم إلا على التجوز فيصح، وأما رده بأنه لا تنقطع عقدة الأول بعقد الثانى، لأن عقده لغو، فلا يتم، لأن المراد لا تتعاطوا صورة قطعها، ولو كانت لا تنقطع تحقيقا، وعقدة مفول به، ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا، لتضمين تعزموا معنى تعقدوا { حتى يبلغ الكتب } المكتوب، أى المفروض { أجله } وهو آخر الأربعة والعشر، وزعم بعض الشافعية: أنه يجوز العزم فى العدة على العقد بعدها، وهو خطأ، لأنه تصريح بالنكاح { واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم } من العزم فلا بأس بلا تصريح، ومن عدم العزم { فاحذروه } احذروا عقابه على عقد النكاح قبل الأجل { واعلموا أن الله غفور } للحاذر التائب { حليم } يؤخر العقاب لمستحقه إلى وقته، فلا تظنوا أن تأخيره عن من أصر ترك له، ومن صمم على قصد المناهى يؤاخذ، فكيف من يفعل، ولكن أرجو الغفران والرحمة، لكن لا يكتب عليه أنه فعل، بل إنه عزم.
[2.236]
{ لا جناح عليكم } لا تبعة عليكم من جهة الصداق، لأنه لا يلزمكم لعدم المس وعدم عقد الصداق { إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } بالذكر مع غيوب الحشفة فى القبل، وإذا كان ذلك لزم الصداق إن كان، وإن لم يكن فصداق المثل، أو العقد، وكالمس الخلوة الممكنة إن ادعت مسا فيها، وأما باليد فى الفرج، أو بالذكر بلا غيوب الحشفة، أو بالذكر فى الجسد، أو فى الدبر ولو غابت، أو بنظر ما بطن ففى لزوم الصداق خلاف، ومشهور المذهب اللزوم { أو } ما لم { تفرضوا لهن فريضة } أو للتنويع لا لمطلق أحد الشيئين، لأنه يلزم عليه أن يكون المعنى لا تبعة عليكم ما لم تمسا ولو فرضتم، أو ما لم تفرضوا ولو مسستم، ولا يصح ذلك، لأنه إذا فرض فلها النصف إن لم يمس، وإذا مس فلها الصداق كله إن كان أو العقد أو صداق المثل إن لم يكن، وأولى من ذلك أن يكون الفعل منصوبا بعد أو التى بمعنى إلا، أى إلا أن تقرضوا، أو حتى تفرضوا، فيغير نفى الجناح بعدم الفرض ولو انتفى المس، لأن فى ذلك تبعة نصف الصداق، فإن فرضتم لهن فريضة فعليكم إعطاؤها بالمس على حد ما ذكر، ونصفها إن طلقتم قبله، وليس المعنى لا إثم عليكم فى الطلاق قبل المس. لأنه لا يلائمه، أو تفرضوا ولا ما لم تمسوهن، ولو كانوا يظنون تحريم الطلاق لكثرة نهيه صلى الله عليه وسلم عنه، وقوله: هو أبغض الحلال عند الله، فنزلت الآية لذلك فيما زعم بعض، وفريضة بمعنى مفروضة، والتاء للنقل إلى الاسمية، ومعناه المهر، وهو مفعول به وأجاز بعض أن يكون مفعولا مطلقا على المصدرية، أو على الاسمية، كما قيل فى خلق الله السموات، أن السموات مفعول مطلق { ومتعوهن } ، إن طلقتموهن قبل المس وقبل الفرض، وهذا أولى من عطف متعوهن على جناح، عطفا للأمر على الإخبار، فإن التحقيق جوازه ولا سيما إذا اجتمع بينهما شىء كشرط أو إعراب فإن لا جناح بمنزلة جواب إن بعده، أو يؤول متعوهن بالإخبار، أى وتمتيعهن واجب جبرا، لوحشة الطلاق لأنها الكثيرة، وقلت من لا تستوحش له، والتمتيع النفع التلذيذ { على الموسع } على موسعكم أو الموسع منكم. أى يا صاحب الوسع من المال { قدره } قدر إمكانه فى إعطاء المتعة { وعلى المقتر } الضيق المال { قدره } فليست المتعة بالنظر إلى قدر المرأة، بل لحكم الحاكم بالنظر إلى مال الزوج، ولا حد لها، كما لا حد للصداق.
وقد طلق أنصارى زوجه المفوضة قبل مسها، وهى من بنى حنيفة فتخاصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: متعها، فقال: لم يكن عندى شىء، فقال: متعها بقلنسوتك، ولكن فى هذا الحديث مقالا، حتى قال بعض، لم أقف عليهن والمفوضة هى التى فوضها وليها أو فوضت نفسها، فتزوجت بلا ذكر صداق، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم قال: متعها بقلنسوتك، لأن الرجل قليل المال، وذلك أنه يحكم بقوله تعالى، على الموسع.
.. الخ، وذلك هو المذهب، وقال أبو حنيفة: درع وملحفة وخمار إلا إن كان مهر مثلها أقل من ذلك فنصف مهر المثل، وعن ابن عباس، أعلى متعة الطلاق الخادم ودون ذلك ورق، ودون هذا كسوة، وعن ابن عمر، أدنى المتعة ثلاثون دينارا، ويقال: لا تنقص المتعة عن خمسة دراهم، وقيل يعتبر حالها مع حال الرجل، فيزاد على الفقير قليل لذات مرتبة وينقص عن الغنى قليل لذات دنو المرتبة، وهكذا، ونص القرآن اعتبار الرجل، وعن الشافعى، المتعة لكل مطلقة إلا التى سمى لها وطلقها قبل الدخول، وإلا التى طلقت نفسها حيث يجوز لها الطلاق، أو فتدت، وذلك قياس لجبر الوحشة، وعنده أن القياس مقدم على المفهوم، والمفهوم من الآية أن لا متعة للممسوسة، والقياس لجبر الوحشة يوجبها { متعا } تمتيعا ثابتا { بالمعروف } شرعا ومروءة، أو متعوهن بالمعروف كذلك { حقا } حق ذلك التمتيع بالمعروف { على المحسنين } المطيعين فى الجملة، المطلقين باعتبار وسعهم وإقتارهم، حقا أو متاعا حقا أى واجبا، أو على المحسنين بالمسارعة إلى امتثال الآية، أو إلى المطلقات بالتمتيع، وعلى الوجهين الأخيرين سماهم محسنين بتأويل الإرادة والمشارفة، وخص المحسنين بالذكر لأنهم المنتفعون، والحكم يعم غيرهم، وقال مالك: المحسنين المتطوعين صارفا للأمر إلى الندب، الصحيح أن المتعة واجبة.
[2.237]
صفحة غير معروفة