تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد
محقق
زهير الشاويش
الناشر
المكتب الاسلامي،بيروت
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٣هـ/٢٠٠٢م
مكان النشر
دمشق
تصانيف
العقائد والملل
قوله: " ﴿أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾، [النّساء، من الآية: ١٧١]، قال ابن كثير: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبرائيل ﵇ إلى مريم، فنفخ فيها في روحه بإذن ربه ﷿،
فكان عيسى بإذن الله ﷿، وصارت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها فنزلت حتى ولجت فرجها، بمنزلة لقاح الأب الأم، والجميع مخلوق لله ﷿. ولهذا قيل لعيسى: إنه كلمة الله وروح منه، لأنه لم يكن له أب تولد منه، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له: كن، فكان، والروح التي أرسل بها جبرائيل ﵇.
قوله: ﴿وروح منه﴾ قال أبي بن كعب: عيسى روح من الأرواح التي خلقها الله ﷿ واستنطقها بقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ ١، بعثه الله إلى مريم فدخل مَن فيها.
رواه عبد بن حميد، وعبد الله بن أحمد في زوائد "المسند" [٢١٢٤] وابن جرير، وابن أبي حاتم وغيرهم.
وقال أبو روق [عطية بن الحارث] ﴿وروح منه﴾، أي: نفخة منه، إذ هي من جبرائيل بأمره، وسمي روحًا، لأنه حدث من نفخة جبرائيل ﵇.
وقال الإمام أحمد: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾، يقول: من أمره كان الروح فيه، كقوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ ٢ يقول: من أمره.
وقال شيخ الإسلام: المضاف إلى الله تعالى إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره المخلوقات، وجب أن يكون صفة لله تعالى، قائمة به، وامتنع أن تكون إضافته إضافة مخلوق مربوب، وإن كان المضاف عينًا قائمة بنفسها، كعيسى وجبرائيل ﵇ وأرواح بني آدم، امتنع أن يكون صفة لله تعالى، لأن ما قام بنفسه لا يكون صفة لغيره، لكن الأعيان المضافة إلى الله تعالى على وجهين:
أحدهما: أن تكون تضاف إليه لكونه خلقها
وأبدعها، فهذا شامل لجميع المخلوقات، كقولهم: سماه الله، وأرض الله، ومن هذا الباب، فجميع المخلوقين عبيد الله، وجميع المال مال الله، وجميع البيوت والنوق لله.
_________
١ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٢ سورة الجاثية آية: ١٣.
1 / 61