تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد
محقق
زهير الشاويش
الناشر
المكتب الاسلامي،بيروت
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٣هـ/٢٠٠٢م
مكان النشر
دمشق
تصانيف
العقائد والملل
وليس قصر قلب، لأن أحدًا من الكفار لم ينفها عن الله، وإنما أشرك معه غيره.
وقال النووي: هذا حديث عظيم جليل الموقع، وهو أجمع - أو من أجمع - الأحاديث المشتملة على العقائد، فإنه ﷺ جمع فيه ما يخرج عن ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها، فاقتصر ﷺ في هذه الأحرف على ما يباين به جميعهم. انتهى.
ومعنى " لا إله إلا الله"، أي: لا معبود بحق إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ١. مع قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٢. فصح أن معنى الإله هو المعبود، ولهذا لما قال النبي ﷺ لكفار قريش: "قولوا لا إله إلا الله" قالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ٣. وقال قوم هود: ﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ ٤. وهو إنما دعاهم إلى " لا إله إلا الله "، فهذا هو معنى لا إله إلا الله، وهو عبادة الله وترك عبادة ما سواه، وهو الكفر بالطاغوت، وإيمان بالله.
فتضمنت هذه الكلمة العظيمة أن ما سوى الله ليس بإله، وأن إلهية ما سواه أبطل الباطل، وإثباتها أظلم الظلم، فلا يستحق العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهية لغيره، فتضمنت نفي الإلهية عما سواه، وإثباتها له وحده لا شريك له، وذلك يستلزم الأمر باتخاذه إلهًا وحده، والنهي عن اتخاذ غيره معه إلهًا. وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والإثبات، كما إذا رأيت رجلًا يستفتي أو يستشهد من ليس أهلًا لذلك، ويدع مَنْ هو أهل له، فتقول: هذا ليس بمفت ولا شاهد، المفتي فلان، والشاهد فلان، فإن هذا أمر منه ونهي. وقد دخل في الإلهية جميع أنواع العبادة الصادرة عن تأله
_________
١ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٢ سورة النحل آية: ٣٦.
٣ سورة ص آية: ٥.
٤ سورة الأعراف آية: ٧٠.
1 / 52