103

تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن

الناشر

وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٢هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

وأما حسنة الآخرة فهي السلامة من العقوبات التي يستقبلها العباد من عذاب القبر والموقف وعذاب النار، وحصول رضا الله، والفوز بالنعيم المقيم، والقرب من الرب الرحيم، فهذا الدعاء أجمع الأدعية وأكملها وأولاها بالإيثار، ولهذا كان النبي ﷺ يكثر من الدعاء به، ويحث عليه. ولما أكمل الله تعالى أحكام النسك أمر بالإكثار من ذكره في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق في قول جمهور المفسرين، وذلك لمزيتها وشرفها وكون بقية المناسك تفعل بها، ولكون الناس فيها أضيافا لله، ولهذا حرم صيامها، فللذكر فيها مزية ليست لغيرها؛ ولهذا قال النبي ﷺ: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله»، ويدخل في ذكر الله رمي الجمار، والتكبير عند رميها، والدعاء بين الجمرتين، والذبح والتسمية فيه، والصلوات التي تفعل فيها من فرائض ونوافل، والذكر المقيد بعد الفرائض فيها، وعند كثير من أهل العلم أنه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر، فجميع ما يقرب إلى الله داخل بذكره: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] أي: خرج من منى، ونفر منها قبل غروب الشمس فلا إثم عليه، ومن تأخر بأن بات بها ليلة الثالث من أيام التشريق؛ ليرمي من غده فلا إثم عليه، وهذا تخفيف من الله على عباده حين أباح الأمرين، مع أن التأخر أرجح لموافقته فعل النبي ﷺ وزيادة العبادات، وقوله: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ٢٠٣] هذا من الاحتراز العالي، لأن نفي الحرج يوهم العموم، فقيل ذلك بهذا الشرط الذي هو شرط لنفي الحرج في كل شيء، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٠٣] بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فمجازيكم بأعمالكم، فمن اتقاه وجد عنده جزاء المتقين، ومن لم يتقه عاقبه عقوبة تارك التقوى، فإن التقوى هي ميزان الثواب والعقاب في القائم بها والمضيع لها، فالعلم بالجزاء والإيمان به هو أعظم الدواعي للقيام بالتقوى.

1 / 105