لم ينصف الناس في تقدير قدرهما. ومن عجب أن تاريخ حياتهما - الذي أهمل عن عمد تدوينه كاملا - ينبغي أن يبحث عن حل رموزه في ثنايا الخطوط الغامضة، ما بين المحفورات المهشمة، والمخطوطات المبعثرة في دور الكتب بالعاصمة.
نالهما الاضطهاد، وتعقبهما الحقد ونكران الجميل؛ لأنهما كانتا امرأتين، ولكن إذا اختفت الكواكب، فهل ينكر ما مضى من عهدها الوضاء؟
وبينما أنا أجوس خلال المدافن المقفرة، في «مدينة طيبة» الوديع، جعلت أفكر في الغرور الإنساني، وما في شئون هذا العالم من العجائب.
إن الذين بغوا في الأرض قد صادفوا جزاءهم من جنس ما عملوا؛ فإني لا أجد بمدينة «طيبة» الخافتة الآن، في هذه الليلة المعتدلة الطقس الصافية الأديم، بين تلك المقابر الملكية البديعة إلا طيور الليل، تمزق بصيحاتها جلال السكون الضارب أطنابه في تلك النواحي.
طيبة في سنة 1920
خيالة «أمينتريس»
في مدينة «هابو»
في ذلك المساء، كان يستولي على «مدينة هابو» خشوع لا يبلغه الوصف، يأخذ النفس بسر خفي، وكان الهيكل عجيب الروعة، قد أعادت زينة الليل كل ما كان له من جلال رهيب في الأعصر الخالية.
وكأنما كان كل عمود مبتور في الغرفة ذات العماد، ينطوي على حياة ناهضة .
تجلت بهجة الإشراق في ساحة المعبد الواضحة البياض، وفي الإيوان الأقدس، على صفحات الدعائم المربعة، المخدشة تخديشا يثير الألم، كانت صور الساجدين تبدو في تبتل وإخبات، بين يدي الآلهة ذات البهاء السرمدي، وكأنما كانت الجدران أيضا تنبض بملامسة غيبية سريعة، وكأن كل زهرة من أزهار اللوتس، وورقة من أوراق البردي تتأرج صلاة وابتهالا.
صفحة غير معروفة