لما تخاذلت قوى الملك «كيوبس» من الكبر، أهمه مصير ذريته من بعده، فخبره ساحر عليم، بقول ذي ألغاز، أن ثلاثة من عقبه يلون الملك، ثم لا يضع أحد من سلالته تاجا، ورووا - كما هو الشأن في كل الأساطير - أن «كيوبس» حاط أمره بكل تدبير فلم ينفعه، ومن ذا الذي ينجو من القدر؟!
في ذلك الوقت هبط إلى الأرض «را» شمس مصر وشمس هذا العالم، وتفشى العنصر الجسمي لبنت الكاهن الأكبر، فنشأ من آثاره أولاد ثلاثة، هم الذين صاروا الملوك الأول لأسرة «هليوبوليس الجديدة».
ولإتمام جميع أبحاثي الخاصة بملك «أهمس-نوفريتاري» في الأرض، وملكها في السماء، ختمت سلسلة الدرس بزورة للمكان الذي تقوم عليه أطلال هيكلها، فإن «أهمس- نوفريتاري» شادت لنفسها معبدا، كدأب كل ملكات العصور الكبرى في تاريخ الشرق.
هو واقع على شفير السهل، الذي شهد ما شهد من العظمة، إلى جانب مزرعة من مزارع الفول ما بين «قرنة» و«رمسيوم».
وثم مجتمع عظيم من شجر الميموزا المزهر، يرسل ظلا لطيفا فوق الشظايا المتناثرة من العمد المهشمة، ويجعل حول ما تركت الأيام من جداره الذي عفاه البلى وفرق لبناته بشاشة تسخر بالدهر، أما البحيرة المقدسة فلم يبق لها من أثر!
يا ليت شعري! ما الذي كان عليه هذا المعبد فيما مضى من أزمان بهجته؟! أيام كانوا في الحفلات الرسمية الكبرى يخرجون التمثال العظيم؛ تمثال الملكة في زورقها، محفوفا بالمواكب.
لكي تتمثل في ذهني صورة صحيحة كاملة لما كانت عليه معابد ذلك العهد الزاهر في مصر، ولأستبين ما كان يقام يومئذ من احتفالات ومواكب، صعدت إلى صومعة الموتى الصعبة المرتقى عند شيخ عبد القرنة، وهنالك راقني منظر صورة قديمة فوق جدار، تمثل هيكلا كاملا.
فج بهيج المنظر، تكتنفه الأشجار مقلمة على سواء، يقوم في منتهاه تمثالان ضخمان عن يمين المدخل ويساره، بإزاء وجه البرجين الشامخين، ثم يبدو الصرح مهيبا بروعته، تزينه سوار سامقة، تحمل أعلاما محمرة أو زرقاء ضاربة إلى السواد، على حين يسير موكب يضم كبار السادنات، فكبار الموسيقيات معهن تسعة معازف مختلفة، بيد كل واحدة منهن معزفها تتناوله على وضع لطيف، ولثيابهن ثياب الزينة تماوج منسجم في نسمات الصباح.
وأن هذه الصورة التي لا يذهب من النفس أثرها، الممثلة للرونق الفاخر والجلال التليد، لتجعل للماضي علينا حق الثناء والإعجاب.
وإذا كانت أجيال هدم وتخريب قد أنحت بتدبير مرتب على آثار تلك المدينة التي تضيء العالم، والتي كانت مصر مهدا لها؛ فإن مدينة طيبة عرفت - وذلك من جدها المقبل - كيف تصون الركاز المقدس لملوكها الذاهبين؛ فخارا لها ومجدا.
صفحة غير معروفة