توجيه النظر إلى أصول الأثر
محقق
عبد الفتاح أبو غدة
الناشر
مكتبة المطبوعات الإسلامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٦ هجري
مكان النشر
حلب
تصانيف
علوم الحديث
وَفِي هَذَا التَّعْرِيف إِشْكَال فَإِنَّهُ يُوهم أَن الْمُوجب للْعلم فِي الْمُتَوَاتر إِنَّمَا هُوَ مُجَرّد كَثْرَة المخبرين وستعرف مَا يرد فِي ذَلِك
قَالَ الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُول أَنا لَو قَدرنَا أَن أهل بَلْدَة علمُوا أَن أهل سَائِر الْبِلَاد لَو عرفُوا مَا فِي بلدهم من الوباء الْعَام لتركوا الذّهاب إِلَى بلدهم وَلَو تركُوا ذَلِك لاختلت الْمَعيشَة فِي تِلْكَ الْبَلدة وقدرنا أَن أهل تِلْكَ الْبَلدة كَانُوا عُلَمَاء حكماء جَازَ فِي مثل هَذِه الصُّورَة ان يتطابقوا على الْكَذِب وَإِن كَانُوا كثيرين جدا فَثَبت بِهَذَا إِمْكَان اتِّفَاق الْخلق الْعَظِيم على الْكَذِب لأجل الرَّغْبَة اهـ
وَقَالَ حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ عَن الْعدَد الْكثير رُبمَا يخبرون عَن أَمر تَقْتَضِي إياله الْملك وسياسته إِظْهَاره والمخبرون من رُؤَسَاء جنود الْملك فيتصور اجْتِمَاعهم تَحت ضبط الإيالة على الِاتِّفَاق على الْكَذِب وَلَو كَانُوا مُتَفَرّقين خَارِجين عَن ضبط الْملك لم يتَطَرَّق إِلَيْهِم هَذَا الْوَهم
وَقد صرح كثير من عُلَمَاء الْأُصُول بِأَن الْمُتَوَاتر لَا بُد من الْقَرَائِن فَلَا يبْقى حِينَئِذٍ فرق بَينه وَبَين خبر الْآحَاد الَّذِي احتفت بِهِ قَرَائِن أوجبت الْعلم بصدقه وَيكون إِيجَاب كل مِنْهُمَا للْعلم إِنَّمَا هُوَ بمعونة الْقَرَائِن
وَلَا يُفِيد فِي الْجَواب ان يُقَال الْقَرَائِن فِي الْمُتَوَاتر مُتَّصِلَة فَهِيَ غير خَارِجَة عَنهُ فصح أَن يُقَال إِنَّه يُوجب الْعلم بِنَفسِهِ لِأَن خبر الْآحَاد الْمَذْكُور كثيرا مَا تكون الْقَرَائِن فِيهِ مُتَّصِلَة
وَالْمرَاد بالقرائن مَا يكون مُتَعَلقا بِحَال الْمخبر والمخبر بِهِ وَالْخَبَر أما
1 / 122