توجيه النظر إلى أصول الأثر
محقق
عبد الفتاح أبو غدة
الناشر
مكتبة المطبوعات الإسلامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٦هـ - ١٩٩٥م
مكان النشر
حلب
الْفَائِدَة السَّادِسَة
من أصعب الْأَشْيَاء الْوُقُوف على رسم الْعَدَالَة فضلا عَن حَدهَا وَقد خَاضَ الْعلمَاء فِي ذَلِك كثيرا فَقَالَ بَعضهم الْعَدَالَة هِيَ ملكة تمنع عَن اقتراف الْكَبَائِر والإصرار على الصَّغَائِر وَقَالَ بَعضهم هِيَ ملكة تمنع عَن اقتراف الْكَبَائِر وَعَن فعل صَغِيرَة تشعر بالخسة كسرقة باقة بقل وَقَالَ بَعضهم من كَانَ الْأَغْلَب من أمره الطَّاعَة والمروءة قبلت شَهَادَته وَرِوَايَته وَمن كَانَ الْأَغْلَب من أمره الْمعْصِيَة وَخلاف الْمُرُوءَة ردَّتْ شَهَادَته وَرِوَايَته
وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى الْعَدَالَة فِي الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة عبارَة عَن استقامة السِّيرَة فِي الدّين وَيرجع حاصلها إِلَى هَيْئَة راسخة فِي النَّفس تحمل على مُلَازمَة التَّقْوَى والمروءة جَمِيعًا حَتَّى تحصل ثِقَة النُّفُوس بصدقه فَلَا ثِقَة بقول من لَا يخَاف الله تَعَالَى خوفًا وازعا عَن الْكَذِب
ثمَّ لَا خلاف فِي أَنه لَا تشْتَرط الْعِصْمَة من جَمِيع الْمعاصِي وَلَا يَكْفِي أَيْضا اجْتِنَاب الْكَبَائِر بل من الصَّغَائِر مَا يرد بِهِ كسرقة بصلَة وتطفيف فِي حَبَّة قصدا وَبِالْجُمْلَةِ كل مَا يدل على ركاكة دينه إِلَى حد يجترئ على الْكَذِب للأغراض الدُّنْيَوِيَّة كَيفَ وَقد شَرط فِي الْعَدَالَة التوقي عَن بعض الْمُبَاحَات القادحة فِي الْمُرُوءَة نَحْو الْأكل فِي الطَّرِيق وَالْبَوْل فِي الشَّارِع وصحبة الأرذال والإفراط فِي المزاح
وَالضَّابِط فِي ذَلِك فِيمَا جَاوز مَحل الْإِجْمَاع أَن يرد إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم فَمَا دلّ عِنْده على جراءته على الْكَذِب رد الشَّهَادَة بِهِ وَمَا لَا فَلَا وَهَذَا يخْتَلف بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُجْتَهدين وتفصيل ذَلِك من الْفِقْه لَا من الْأُصُول وَرب شخص يعْتَاد الْغَيْبَة وَيعلم الْحَاكِم أَن ذَلِك لَهُ طبع لَا يصبر عَنهُ وَلَو حمل على شَهَادَة الزُّور لم يشْهد أصلا فقبوله شَهَادَته بِحكم اجْتِهَاده جَائِر فِي حَقه وَيخْتَلف ذَلِك بعادات الْبِلَاد وَاخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِي استعظام بعض الصَّغَائِر دون بعض اهـ
1 / 94