469

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

تصانيف

{ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة } [النساء: 102]، إشارة إلى هذا المعنى؛ يعني: ما دمت بالصورة بينهم وهم ينظرون إليك فقد أدمت لهم الصلاة؛ لأن النظر إليك عبادة، كما

إن الصلاة تنهى عن الفحشآء والمنكر

[العنكبوت: 45]، فإنك تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وكذلك لمن يكون له نور نبوتك في قلبه متصرف على الدوام فأدمت له الصلاة، فلما لم يكن هذا المقام ميسر لجميع الخلق أن يكون بينهم لا بالصورة ولا بالمعنى قال الله تعالى: { فلتقم طآئفة } [النساء: 102]؛ يعني: من الخواص { منهم } [النساء: 102]، أي: من عوامهم { معك } [النساء: 102]؛ ليكونوا دائمين في الصلاة قائمين مع الله على الدوام، فإن من يكون معك فقد يكون مع الله، لأنك مع الله لقوله تعالى:

إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا

[التوبة: 40]، { وليأخذوا } [النساء: 102]؛ يعني: طائفة من بقية القوم { أسلحتهم } [النساء: 102]، من الطاعات والعبادات دفعا لعدو النفس والشيطان، { فإذا سجدوا } [النساء: 102]؛ يعني: من معك ونزلوا مقامات القربة، { فليكونوا } [النساء: 102]؛ أي: هؤلاء العوام { من ورآئكم } [النساء: 102] في المرتبة والمقام والمتابعة ويحفظونكم باشتغالهم بالأمور الدنيوية لحوائجكم بالضرورات الإنسانية، { ولتأت طآئفة أخرى } [النساء: 102]، بعدكم { لم يصلوا } [النساء: 102] معك في الصحبة { فليصلوا معك } [النساء: 102] في الوصلة، { وليأخذوا حذرهم } [النساء: 102]؛ وهو آداب الطريقة، { وأسلحتهم } [النساء: 102]؛ وهي أركان الشريعة بنظر شيخ كامل من أهل الحقيقة، فإنه من جملة الحذر يبقى العبد محروسا عن مكائد كفار النفس والشيطان، { ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم } [النساء: 102]؛ أي: عن أركان الشريعة ومراقبة القلوب في حفظ مواهب الحق وفتوحات الغيب، { فيميلون عليكم } [النساء: 102]؛ يعني: عدو النفس وصفاتها والشيطان وأعوانه، { ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى } [النساء: 102]؛ يعني: من كثرة اشتغال الدنيا وضروريات البشرية تمطر عليكم في بعض الأوقات، { أن تضعوا أسلحتكم } [النساء: 102] من أركان الشريعة عند الضرورة ساعة فساعة، { وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا } [النساء: 102]، من التوجه الحق ومراقبة الأحوال، وحفظ القلب وحضوره مع الله، وخلو السر عن الالتفات بغير الله، ورعاية التسليم والتفويض إلى الله تعالى، والاستمداد من همم المشايخ والالتجاء إلى ولاية النبوة.

[4.103-105]

ثم أخبر عن معنى آخر من معنى الحذر؛ وهو المداومة على الذكر بقوله تعالى: { فإذا قضيتم الصلوة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم } [النساء: 103]، إلى قوله:

عليما حكيما

[النساء: 111]، والإشارة فيها: إن الله تعالى يأمر من لم تكن صلاته دائمة، { فإذا قضيتم الصلوة } [النساء: 103] المكتوبة المفروضة المعدودة فلا تحسبوا أنها تكفيكم في إقامة العبودية، أو تصلون بمجردها إلى حضرة الربوبية، ولكن { فاذكروا الله } [النساء: 103] في جميع حالاتكم ولا تخلوا حالاتكم من [الوصف]، إما تكونوا قياما أو قعودا أو على جنوبكم { فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم } [النساء: 103] حتى يطمئن قلبكم بذكر الله، { فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلوة } [النساء: 103]؛ أي: فأديموها؛ يعني: فإذا اطمأن القلب بذكر الله فقد أقام القلب الصلاة، { إن الصلوة كانت على المؤمنين كتبا } [النساء: 103] أي: مكتوبا أزليا، { موقوتا } [النساء: 103] أي: مؤقتا إلى الأبد.

فاعلم أن لله تعالى عبادا قد منحهم ديمومة الصلاة فهم في صلاتهم دائمون من الأزل إلى الأبد، وليس هذا من مدرك عقول الخيال فلا يعقلها إلا العالمون، وقد أشار إلى هذا المعنى بقوله تعالى:

صفحة غير معروفة