461

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

تصانيف

من يشآء

[القصص: 56] بالهداية في الأزل، فإن مشيئته أزلية، فاعلم أن اختيار العبد بين طرفي الجبر؛ لأن أول الفعل وأخره إلى الله، فالعبد بين طرفي الاضطرار مضطر إلى الاختيار، فافهم جيدا.

ثم قال: { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سوآء } [النساء: 89]، إشارة إلى من ود الكفر لغيره فذلك من إمارة الكفر في باطنه وإن كان يظهر الإسلام؛ لأنه يود تسوية الاعتقاد فيما بينهما، وهذا من خاصة الإنسان إنه يحب أن يكون كل الناس على مذهبه واعتقاده ودينه، وقالوا: " الرضا بالكفر كفر " ، ثم نهى المؤمنين عن موالاة المنافقين؛ لئلا يتعدى نفاقهم إليهم، وقال تعالى: { فلا تتخذوا منهم أوليآء حتى يهاجروا } [النساء: 89]؛ يعني: يهجروا خلاق السوء ويفارقوا عن النفاق { في سبيل الله }؛ أي: في طلب الحق والرجوع في سبيل الهوى، وفيه إشارة إلى أرباب الطلب السائرين إلى الله تعالى ألا يتخذوا من أهل الدنيا وإتباع الهوى أولياء لعباد لا يخالطوهم، حتى يهاجروا عما هم فيه من الحرص والشهوة وحب الدنيا، ويوافقوكم في طلب الحق وترك الدنيا وزخارفها، { فإن تولوا } [النساء: 89] عما أنتم عليه من التوجه إلى الحق والتوالي عن الباطل، { فخذوهم } [النساء: 89]، بالعظة الحسنة والنصح والتبليغ، { واقتلوهم } [النساء: 89] بسيف صدقكم وموعظتكم عن جدالكم بالحق، { حيث وجدتموهم } [النساء: 89] كلما رأيتموهم، وفيه معنى آخر: واقتلوا أنفسكم من حيث وجدتم صفة من صفاتها غالبة، فإن تزكية النفس في اعتدال صفاتها، { ولا تتخذوا منهم وليا } [النساء: 89]؛ أي: صديقا وخليلا،

" فإن المرء على دين خليله "

، { ولا نصيرا } [النساء: 89]؛ أي: معاونا في أمر من الأمور الدنيوية؛ لئلا يشوب نصحكم وعظتكم لهم بعلة دنيوية فلا يتصرف ولا يؤثر فيهم.

[4.90-91]

ثم استثنى منهم قوما بقوله تعالى: { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثق } [النساء: 90]؛ المعنى: الأقوام من أهل الدنيا يصلون بالإرادة والتقرب والتودد إلى قوم من أهل الدين من الذين بينكم وبينهم عهد وأخوة وصداقة في الدين أو في الحرفة والصحبة، فإن المخالطة معهم بتبعية الأحوال وقبول الرفق منهم جائز، ثم قال تعالى: { أو جآءوكم حصرت صدورهم أن يقتلوكم أو يقتلوا قومهم } [النساء: 90]؛ يعني: إذ جاؤوكم طائفة أخرى من أهل الدنيا، وما فيهم أن ينكروكم ويجادلوكم على ما أنتم فيه، { ولو شآء الله لسلطهم عليكم } [النساء: 90] بالإنكار والاعتراض، { فلقتلوكم } [النساء: 90]؛ أي: فنازعوكم وخاصموكم بالباطل، { فإن اعتزلوكم } [النساء: 90]؛ أي: اعتزلوا شرهم عنكم، { فلم يقتلوكم } [النساء: 90]؛ أي: يخاصموكم ولا يشوشون الوقت عليكم، { وألقوا إليكم السلم } [النساء: 90]؛ أي: السلامة، { فما جعل الله لكم عليهم سبيلا } [النساء: 90] في غيبتهم والطعن فيهم وتحقيرهم؛ يعني: إذا أسلمتم منهم فينبغي أنهم يسلمون منكم، فإن لم تكونوا لهم فلا تكونوا عليهم، كما لم يكونوا عليكم إذا لم يكونوا لكم.

ثم أخبر عن محنة أهل الفتنة بقوله تعالى: { ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم } [النساء: 91]، والإشارة فيها: إنكم أصحاب الولاية وأرباب الهداية، ستجدون من أهل الإرادة أخرى غير أصحاب الجد والاجتهاد يريدون أن يأمنوكم عن رد الولاية فيرتدون إليكم ويخدمونكم، ويظهرون الصدق والإخلاص معكم، وهو أصحاب الأموال والأولاد والقوم والقبيلة، { يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم } [النساء: 91] عن الملامة والتعبير في تضييع الأموال والأولاد، { كل ما ردوا إلى الفتنة } [النساء: 91]؛ أي: دعوا إلى الفتنة وهي الأموال والأولاد، ويدل عليه قوله تعالى:

إنمآ أموالكم وأولادكم فتنة

[التغابن: 15] فإنهم أمروا بالحذر منهم، { أركسوا فيها } [النساء: 91]؛ أي: رجعوا إليها ضعفاء في الطلب وفرقا من الملامة، { فإن لم يعتزلوكم } [النساء: 91]؛ أي: ينقطعوا عنكم ويترددون إليكم بصدق الإرادة { ويلقوا إليكم السلم } [النساء: 91]؛ أي: يستسلموا لكم وينقادوا، { ويكفوا أيديهم } [النساء: 91] بالإرادة عن أموالهم وأولادهم، { فخذوهم } [النساء: 91]، بالإرادة وأقبلوا عليهم بالتربية، { واقتلوهم } [النساء: 91]، أي: اقتلوا أنفسهم بالمجاهدة والرياضة وصمام الولاية، { حيث ثقفتموهم } [النساء: 91]؛ يعني: سويتم عوجهم كما يقوم الرياح بالثقاف، { وأولئكم } [النساء: 91]؛ يعني: أهل الإرادة؛ يعني: إذا كونوا ذوي العلائق كثير العوائق، { جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا } [النساء: 91] في قطع علائقهم ودفع عوائقهم بحسن التربية وسطوة الولاية.

صفحة غير معروفة