320

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

تصانيف

[البقرة: 257]، وبعث الشياطين إلى أوليائه وهم أعداء الله؛ ليخرج أرواحهم من النور الروحاني إلى الظلمات النفسانية، في إخفاء أنوار خالقها في إبداء أخلاق النفس عليها، استحق بها دركة أسفل السافلين وغاية البعد عن الحق؛ فمعنى الآية في التحقيق: { وإن تبدوا ما في أنفسكم } [البقرة: 284]، مودع من أنوار أخلاق الروحانية في الظاهر بأعمال الشريعة، وفي الباطن بموافقات الطبيعة، أو تخفوه بتصرفات الطبيعة في موافقات الشريعة، ومخالفات الطريقة { يحاسبكم به الله } [البقرة: 284]، بطهارة النفس بقبول أنوار الروح أخلاقه، أو بتلوث الروح بقول ظلمات النفس وأخلاقها، { فيغفر لمن يشآء } [البقرة: 284]، فينور نفسه بأنوار الروح وروحه بأنوار الحق، { ويعذب من يشآء } [البقرة: 284]، فيعاقب نفسه بنار دركات السعير ونوره بنار فرقة العلي الكبير، { والله على كل شيء } [البقرة: 284]، من إظهار اللطف والقهر على تركيب عالمي الخلق والأمر { قدير } [البقرة: 284].

ثم أخبر عن كمال لطفه بالعباد لهم على السبيل الرشاد بقوله تعالى: { ءامن الرسول بمآ أنزل إليه من ربه } [البقرة: 285]، والإشارة في الآيتين: أن الله تعالى إنما قال: { ءامن الرسول بمآ أنزل إليه من ربه } [البقرة: 285]، وما قال آمن بالله، وقال : { والمؤمنون كل آمن بالله } [البقرة: 285]، أو أن يظهر الفرق بين الرسول والمؤمنين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل المعراج كان يؤمن بالله، { بمآ أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا } [البقرة: 285]؛ أي: بعد ما آمنوا بما أنزل قالوا: سمعنا وأطعنا ما أمرتنا، وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أحوال إيمان المؤمنين في تلك الحالة؛ لأن ما بدأ به من الكلام في ذلك المقام إن أكرم بالسلام، ولهذا كان يقول: السلام قبل الكلام، فلما سمع السلام عليك إيها النبي رحمة الله وبركاته، فأجاب بقوله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ففي المرتبة الثانية لما أوحى إليه: { ءامن الرسول بمآ أنزل إليه من ربه } [البقرة: 285]، فبدأ بذكر المؤمنين وعرض أحوالهم بالإيمان والسمع والطاعة ليت، استحقاقهم السلام والرحمة فرحمهم الله عليهم، وقال: وما يطلبون مني بجزاء الإيمان والسمع والطاعة حتى أجار بهم به قال النبي صلى الله عليه وسلم: { غفرانك ربنا وإليك المصير } [البقرة: 285]؛ يعني: ما يطلبون منك شيئا دونك إلا مغفرتك؛ لتسترهم عنهم بسريان صفة { غفرانك ربنا وإليك المصير } [البقرة: 285]، ويكون مصيرهم ومرجعهم إليك لا إلى الدارين؛ يعني: كما كان مصيري إليك يكون مصيرهم في متابعتي إليك، فقال الله في جوابه { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } [البقرة: 286]؛ يعني: ليس لهم استعداد منازل هذا المقام معك، فكيف أكلفهم بشيء لا وسع لهم به؟ فإنك في مقام معي لا يسعك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، فكيف بهم؟ ألم تر أن جبريل عليه السلام حين أردت أن أترحم عليه؛ ليوافي موافقتك وتبعية مرافقتك بساط قرب خطوة فقلت له: تقدم، فقال: ونوة أنملة لاحترقت، وإن الأنبياء والمرسلين اصطفيناهم على العالمين، كل طائفة منهم واقفين إنما سبقتهم رحمتي، ثمة كي لا تحرقهم سبحات وجهي ويمحقهم سطوات قهري، فكيف أكلف في أسماء أمتك المذنبة المرحومة بهذا المصير وأنا بضعيف حالهم بصير، ولكن الذي ملك هذا المقام حتى جاوزت الأنبياء والرسل الكرام ووطأت موطأ ما وطأ أحد قبلك؛ إني خلقتك وخلقت الكون لمجيئك؛ لولاك لما خلقت الكون وإنك مخصوص بهذا المقام المحمود، وإن أمتك أكرم الأمم علي لمحبتك، وأحبهم إلي ولهم سبب شفاعتك اختصاص بكرامة محبتي إياهم في ظل متابعتك، فقل لهم:

قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله

[آل عمران: 31]، فإن على قدره ما اكتسبت أمتك من أنوار متابعتك تستحق نيل محبتي، فبقدر جريان عدم محبتي لهم يكون مصيرهم إلى حضرة جلاله.

{ لها ما كسبت } [البقرة: 286]، من شواهد جمالنا، وعلى قدر ما كسبت بالثواني في ظل متابعتك والتقصير في مشايعتك، ونقض عهد مبايعتك تستحق المصير إلى السعير، { وعليها ما اكتسبت } [البقرة: 286]، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الجواب فتارة أكسرته لذة هذا الخطاب وأخرى أخذته سطوات هذا العتاب، قال: { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينآ أو أخطأنا } [البقرة: 286]؛ يعني: لا تعاقب أمتي إن نسيت عهدك التي عاهدتم في الميثاق على أن يعبدوك ولا يعبدوا غيرك، ويطلبوك ولا يطلبوا غيرك، ويحبوك ولا يحبوا غيرك، وأخطأت طريق طلبك وطلبوا غيرك، وطريق محبتك فأحبوا غيرك، ولكن ما أخطأت طريق عبوديتك فما عبدوا غيرك ولا أشركوا بعبادتك، وأنت قلت:

إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء

[النساء: 48]، { ربنا ولا تحمل علينآ إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } [البقرة: 286]، بأن تكلنا إلى أنفسنا قبضتي أسير النفس الأمارة بالسوء، أو محبوسي الأشخاص من مقتدى الخواص، فتعبد عجل الهوى والنار الشهوات، كما عبد الذين من قبلنا، { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } [البقرة: 286]، وبالصبر عن شهود جمالك وأرجاء أستار جلالك على أبواب وصالك، { واعف عنا } [البقرة: 286]، شواهد هويتك { واغفر لنا } [البقرة: 286]، برفع البينونة من بيننا { وارحمنآ } [البقرة: 286]، بجذبات { أنت مولنا } [البقرة: 286]، بجذبات { فانصرنا على القوم الكافرين } [البقرة: 286]، أخرجنا عنا إليك، وأعنا في المصير إليك على قمع كفار الإثنينية، التي تمنعنا من وحدتك بيني وبينك إني يزاحمني، فارفع بجودك إني من البين .

[3 - سورة آل عمران]

[3.1-6]

{ الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم } [آل عمران: 1-2]، والإشارة في الآية: إن الله تعالى بعد أن أظهر إلوهيته المودعة في { الم } [آل عمران: 1]، بقوله: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } [آل عمران: 2]، أظهر ألطاف ربوبيته المكنونة في أستار العزة وأعطاف محبته [المخبئة] تحت قباب الغيرة مع سيد الأولين والآخرين، وحبيب رب العالمين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاتم النبيين، أبد الآبدين ودهر الداهرين، بقوله تعالى: { نزل عليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه } [آل عمران: 3]؛ أي: نزل حقائق القرآن وأنواره على قلبك بالحقيقة؛ لتجليه لترك حقائقه لا صورة ألفاظه مكتوبة على الألواح، أحجار مقروءة كل قارئ سريانية وعبرانية دليله قوله تعالى: { نزل عليك } [آل عمران: 3]، قوله تعالى: و { بالحق } [آل عمران: 3] نزل؛ يعني: بالحقيقة نزل، وقوله تعالى:

صفحة غير معروفة