فبالإضافة إِلَى أَن السّنة صنو الْقُرْآن الْكَرِيم من حَيْثُ الدّلَالَة، فَهِيَ كَذَلِك شارحة لقواعده الْعَامَّة ومفصلة لمجمله، ومبينة لمعانيه، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ . فَهِيَ جُزْء لَا يتَجَزَّأ من كَمَال الرسَالَة وتمامها.
وَلم تكن هَذِه الْحَقِيقَة مَوضِع خلاف بَين الصَّحَابَة ﵃، بل كَانَت من البدهيات الْمُسلم بهَا وَالْمجْمَع عَلَيْهَا نصا وَعَملا.
تدوين السّنة فِي عهد النَّبِيَّ ﷺ:
وَلَكِن السّنة لم تدون فِي حَيَاة النَّبِيَّ ﷺ خشيَة اختلاطها بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم كَمَا هُوَ مَعْرُوف من نهي الرَّسُولِ ﷺ، وَكَذَلِكَ بَقِي الْأَمر على هَذَا الْحَال فِي عهد الصَّحَابَة ﵃ إِلَّا من استثناءت خَاصَّة لبَعض الصَّحَابَة المعروفين بعلمهم وضبطهم، فَكَانَت لبَعْضهِم مدوناته فِي السّنة، بِالْإِضَافَة إِلَى أَن مَنْهَج الاستيثاق وضعت معالمه فِي وَقت مبكر حِين جمع كتاب الله تَعَالَى فِي عهد الْخَلِيفَة أبي بكر الصّديق ﵁ ثمَّ فِي عهد عُثْمَان رَضِي عَنهُ، وَكَانَ لَا بُد من شَهَادَة اثْنَيْنِ من الصَّحَابَة على الْأَقَل حَتَّى يتم تدوين الْآيَة فِي موضعهَا من الْقُرْآن الْكَرِيم، وَقد انسحب هَذَا الشَّرْط على قبُول الحَدِيث أَيْضا، فَلم يُقبل حديثٌ من راوٍ مَا لم يتوفر لَهُ شَاهد أَو أَكثر، وَقد تورع كثير من الصَّحَابَة عَن رِوَايَة الحَدِيث مَا لم يَكُونُوا على يَقِين تَامّ مِمَّا ينقلون، حَيْثُ أَن أَمر حفظ السّنة وتناقل رِوَايَات الحَدِيث لم يكن مُشكلا طالما أَن جيل الصَّحَابَة كَانَ مَوْجُودا.
تدوين السّنة بعد جيل الصَّحَابَة:
وَلما بَدَأَ جيل الصَّحَابَة يتناقص وامتد الْإِسْلَام إِلَى شعوب وأمم أُخْرَى، وَكَانَت الْأَحَادِيث تتناقل شفاهة بشروطها التوثيقية، شعر الْمُسلمُونَ بضرورة تدوين السّنة كَامِلَة، وبذل عُلَمَاء السّنة جزاهم الله خيرا جهودًا محمودة فِي تدوينها، وَوضعت عُلُوم مُتعَدِّدَة لتنقية السّنة من الشوائب الَّتِي ابتدعها أَصْحَاب الْأَهْوَاء والنحل الْبَاطِلَة، وَكَانَ الأساس فِي تدوين السّنة
1 / 8