توفيق الرحمن في دروس القرآن
محقق
عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم الزير آل محمد
الناشر
دار العاصمة،المملكة العربية السعودية - الرياض،دار العليان للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م
مكان النشر
القصيم - بريدة
تصانيف
حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت، قال أهل الضلالة: ما أراد الله من ذكر هذا؟ فأنزل الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ بمحمد والقرآن، ﴿فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ﴾ يعني المثل هو ﴿الْحَقُّ﴾ الصدق ﴿مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا﴾، أي: شيء ﴿أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا﴾ المثل ﴿مَثَلًا﴾ وعن ابن عباس وغيره: لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين يعني قوله تعالى:
﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾، وقوله: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ﴾ الآيات الثلاث، قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال. فأنزل الله هذه الآية إلى قوله تعالى: ﴿هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ .
وقوله تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ﴾ أجابهم الله في قولهم: ماذا أراد الله بهذا مثلًا، فقال: يضل به كثيرًا من الكفار، وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون ضلالًا، ويهدي به كثيرًا من المؤمنين، فيصدقونه فيزيدهم هدى إلى هداهم، وإيمانًا إلى إيمانهم: كما قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ وكذلك قال ها هنا: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ﴾ . قال ابن عباس: يعني: المنافقين.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ هذا وصف من الله تعالى للفاسقين المذكورين ها هنا بأنهم الذين ينقضون، أي: يخالفون ويتركون عهد الله،
1 / 114