فالابتناء شامل للابتناء الحسي وهو ظاهر والابتناء العقلي وهو ترتب الحكم على دليله وتعريفه بالمحتاج إليه لا يطرد وقد عرفه الإمام في المحصول بهذا واعلم أن التعريف إما حقيقي كتعريف الماهيات الحقيقية وإما اسمي كتعريف الماهيات الاعتبارية كما إذا ركبنا شيئا من أمور هي أجزاؤه باعتبار تركيبنا ثم وضعنا لهذا المركب اسما كالأصل والفقه والجنس والنوع ونحوها فالتعريف الاسمي هو تبيين أن هذا الاسم لأي شيء وضع وشرط لكلا التعريفين الطرد أي كل ما صدق عليه الحد صدق عليه المحدود والعكس أي كل ما صدق ما عليه المحدود صدق عليه الحد فإذا قيل في تعريف الإنسان إنه حيوان ماش لا يطرد ولو قيل حيوان إن كان بالفعل لا ينعكس ولا شك أن تعريف الأصل تعريف اسمي أي بيان أن لفظ الأصل لأي شيء وضع فالتعريف الذي ذكر في المحصول لا يطرد لأنه أي الأصل لا يطلق على الفاعل أي العلة الفاعلية والصورة أي العلة الصورية والغاية أي العلة الغائبة والشروط كأدوات الصناعة مثلا فعلم أن هذا التعريف صادق على هذه الأشياء لكونها محتاجا إليها والمحدود لا يصدق عليها لأن شيئا من هذه الأشياء لا يسمى أصلا فلا يصح هذا التعريف الاسمي والفقه معرفة النفس ما لها وما عليها ويزاد عملا ليخرج الاعتقاديات والوجدانيات فيخرج الكلام والتصرف ومن لم يزد أراد الشمول هذا التعريف منقول عن أبي حنيفة فالمعرفة إدراك الجزئيات عن دليل فخرج التقليد وقوله ما لها وما عليها يمكن أن يراد به ما تنتفع به النفس وما تتضرر به في الآخرة كما في قوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فإن أريد بهما الثواب والعقاب فاعلم أن ما يأتي به المكلف إما واجب أو مندوب أو مباح أو مكروه كراهة تنزيه أو مكروه كراهة تحريم أو حرام فهذه ستة ثم لكل واحد طرفان طرف الفعل وطرف الترك يعني عدم الفعل فصارت اثني عشر ففعل الواجب والمندوب مما يثاب عليه وفعل الحرام والمكروه تحريما وترك الواجب مما يعاقب عليه والباقي لا يثاب ولا يعاقب عليه فلا يدخل في شيء من القسمين وإن أريد بالنفع عدم العقاب وبالضرر العقاب ففعل الحرام والمكروه تحريما وترك الواجب يكون من القسم الثاني أي مما يعاقب عليه والتسعة الباقية تكون من الأول أي مما لا يعاقب عليه وإن أريد بالنفع الثواب وبالضرر عدم الثواب ففعل الواجب والمندوب مما يثاب عليه ثم العشرة الباقية مما لا يثاب عليه عليها ويمكن أن يراد بما لها وما عليها ما يجوز لها وما يجب عليها ففعل ما سوى الحرام والمكروه تحريما وترك ما سوى الواجب مما يجوز لها وفعل الواجب وترك الحرام والمكروه تحريما مما يجب عليها بقي فعل الحرام والمكروه تحريما وترك الواجب خارجين عن القسمين ويمكن أن يراد بما لها وما عليها ما يجوز لها وما يحرم عليها فيشملان جميع الأصناف إذا عرفت هذا فالحمل على وجه لا يكون بين القسمين واسطة أولى ثم ما لها وما عليها يتناول الاعتقاديات كوجوب الإيمان ونحوه والوجدانيات أي الأخلاق الباطنة والملكات النفسانية والعمليات كالصلاة والصوم والبيع ونحوها فمعرفة ما لها وما عليها من الاعتقاديات هي علم الكلام ومعرفة ما لها وما عليها من الوجدانيات هي علم الأخلاق والتصوف كالزهد والصبر والرضا وحضور القلب في الصلاة ونحو ذلك ومعرفة ما لها وما عليها من العمليات هي الفقه المصطلح فإن أردت بالفقه هذا المصطلح زدت عملا على قوله ما لها وما عليها وإن أردت ما يشمل الأقسام الثلاثة لم تزد وأبو حنيفة رحمه الله إنما لم يزد عملا لأنه أراد الشمول أي أطلق الفقه على العلم بما لها وعليها سواء كان من الاعتقاديات أو الوجدانيات أو العمليات ثم سمى الكلام فقها أكبر وقيل العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية فالعلم جنس والباقي فصل فقوله بالأحكام يمكن أن يراد بالحكم هاهنا إسناد أمر إلى آخر ويمكن أن يراد الحكم المصطلح وهو خطاب الله تعالى المتعلق إلخ فإن أريد الأول يخرج العلم بالذوات والصفات التي ليست بأحكام عن الحد أي يخرج التصورات ويبقي التصديقات وبالشرعية يخرج العلم بالأحكام العقلية والحسية كالعلم بأن العالم محدث والنار محرقة وإن أريد الثاني فقوله بالأحكام يكون احترازا عن علم ما سوى خطاب الله تعالى المتعلق إلى آخره فالحكم بهذا التفسير قسمان شرعي أي خطاب الله تعالى بما يتوقف على الشرع وغير شرعي أي خطاب الله تعالى بما لا يتوقف على الشرع كوجوب الإيمان بالله تعالى ووجوب تصديق النبي عليه السلام ونحوهما مما لا يتوقف على الشرع لتوقف الشرع عليه ثم الشرعي إما نظري وإما عملي فقوله العملية يخرج العلم بالأحكام الشرعية النظرية كالعلم بأن الإجماع حجة وقوله من أدلتها أي العلم الحاصل للشخص الموصوف به من أدلتها المخصوصة بها وهي الأدلة الأربعة وهذا القيد يخرج التقليد لأن المقلد وإن كان قول المجتهد دليلا له لكنه ليس من تلك الأدلة المخصوصة وقوله التفصيلية يخرج الإجمالية كالمقتضي والنافي وقد زاد ابن الحاجب على هذا قوله بالاستدلال ولا شك أنه مكرر
صفحة ١٩