التوضيح في حل عوامض التنقيح
محقق
زكريا عميرات
الناشر
دار الكتب العلمية
سنة النشر
1416هـ - 1996م.
مكان النشر
بيروت
تصانيف
وإلا أي وإن لم يتوقف على الشرع كان واجبا عقلا فيكون حسنا عقلا لأن الواجب العقلي ما يحمد على فعله ويذم على تركه عقلا والحسن العقلي ما يحمد على فعله عقلا فالواجب العقلي أخص من الحسن العقلي وكذلك نقول في امتثال أوامره إنه إما واجب عقلا إلخ هذا الدليل لإثبات العقلي صريحا وقوله وأيضا وجوب تصديق النبي عليه السلام موقوف على حرمة الكذب فهي إن ثبتت شرعا يلزم الدور وإن ثبتت عقلا يلزم قبحها عقلا هذا يدل على القبح العقلي صريحا وكل منهما يدل على الآخر التزاما لأنه إذا كان الشيء واجبا عقلا يكون تركه قبيحا عقلا وإن كان الشيء حراما عقلا فتركه يكون واجبا فيكون حسنا عقلا ثم عند المعتزلة العقل حاكم بالحسن والقبح موجب للعلم بهما وعندنا الحاكم بهما هو الله تعالى والعقل آلة للعلم بهما فيخلق الله العلم عقيب نظر العقل نظرا صحيحا لما أثبتنا الحسن والقبح العقليين وفي هذا القدر لا خلاف بيننا وبين المعتزلة أردنا أن نذكر بعد ذلك الخلاف بيننا وبينهم وذلك في أمرين أحدهما أن العقل عندهم حاكم مطلق بالحسن والقبح على الله تعالى وعلى العباد أما على الله فلأن الأصلح للعباد واجب على الله بالعقل فيكون تركه حراما على الله والحكم بالوجوب والحرمة يكون حكما بالحسن والقبح ضرورة وأما على العباد فلأن العقل عندهم يوجب الأفعال عليهم ويبيحها ويحرمها من غير أن يحكم الله فيها بشيء من ذلك وعندنا الحاكم بالحسن والقبح هو الله وهو متعال عن أن يحكم عليه غيره وعن أن يجب عليه شيء وهو خالق أفعال العباد على ما مر جاعل بعضها حسنا وبعضها قبيحا وله في كل قضية كلية أو جزئية حكم معين وقضاء مبين وإحاطة بظواهرها وبواطنها وقد وضع فيها ما وضع من خير أو شر ومن نفع أو ضر ومن حسن أو قبح وثانيهما أن العقل عندهم موجب للعلم بالحسن والقبيح بطريق التوليد بأن يولد العقل العلم بالنتيجة عقيب النظر الصحيح وعندنا العقل آلة لمعرفة بعض من ذلك إذ كثير مما يحكم الله بحسنه أو قبحه لم يطلع العقل على شيء منه بل معرفته موقوفة على تبليغ الرسل لكن البعض منه قد أوقف الله العقل عليه على أنه غير مولد للعلم بل أجرى عادته أنه خلق بعضه من غير كسب وبعضه بعد الكسب أي ترتيب العقل المقدمات المعلومة ترتيبا صحيحا على ما مر أنه ليس لنا قدرة إيجاد الموجودات وترتيب الموجودات ليس بإيجاد والمأمور به في صفة الحسن نوعان حسن لمعنى في نفسه وحسن لمعنى في غيره لما ثبت أن الحسن والقبح يعرفان عقلا علم أنهما ليسا بمجرد الأمر والنهي بل إنما يحسن الفعل أو يقبح إما لعينه أو لشيء آخر ثم ذلك الشيء حسن لعينه أو قبيح لعينه قطعا للتسلسل وهو إما أن يكون جزء ذلك الفعل أو خارجا عنه والجزء إما صادق على الكل كالعبادة تصدق على الصلاة والصلاة عبادة مع خصوصية فالعادة جزؤها أو لم تصدق كالأجزاء الخارجية كالسجود لا يصدق على الصلاة والحسن لمعنى في نفسه يعم الحسن لعينه والحسن لجزئه ويجب أن يعلم أن الحسن باعتبار الجزء إنما يكون حسنا إذا كان جميع أجزائه حسنا بمعنى أنه لا يكون جزء واحد منه قبيحا لعينه إذ لو كان لا يكون المجموع حسنا ثم الخارج إما أن يكون صادقا على ذلك الفعل نحو الجهاد إعلاء كلمة الله تعالى فالجهاد حسن لكونه إعلاء والإعلاء خارج عن مفهوم الجهاد وإما أن لا يكون صادقا كالوضوء حسن للصلاة والصلاة لا تصدق على الوضوء فثبت أن الحسن ينقسم إلى هذه الأقسام وكذا القبيح لكن أمثلة هذا ستأتي في فصل النهي إن شاء الله تعالى وإنما أطلق الحسن لمعنى في نفسه على الحسن لعينه إما اصطلاحا ولا مشاحة في الاصطلاحات أو لأن الحسن لعينه هو الفعل المطلق كالعبادة مثلا وهو لا يوجد في ضمن جزئياته إلا الموجودة وبحثنا في تلك الجزئيات المعلوم وجودها حسا وهي لا تكون إلا حسنة لمعنى في نفسها أو حسنة لغيرها والفرق بين الجزء الصادق وبين الخارج الصادق أن ما يكون مفهوم الفعل متوقفا عليه فهو الجزء وما ليس كذلك فهو الخارج كالصلاة مثلا فإن مفهومها الشرعي إنما هو عبادة مخصوصة بالخصوصيات المعلومة فمفهومها متوقف على العبادة وأما الجهاد فمفهومه القتل والضرب والنهب مع الكفار وليس إعلاء كلمة الله تعالى داخلا في هذا المفهوم بل يلزم ذلك في الخارج فيكون لازما لا جزءا وهذا هو الفرق المشهور بين الذاتي والعرضي إذا عرفت هذا علمت بطلان قول من أنكر كون الفعل حسنا أو قبيحا لذاته بأن قال قد يختلف حسن الفعل وقبحه باعتبار الإضافة فلا يكون حسنا لذاته أو قبيحا لذاته لأن الاختلاف بالإضافة لا يدل على ما ذكر لأن الإضافة داخلة في ذات ذلك الفعل لأن الفعل من الأعراض النسبية والأعراض النسبية تتقوم بالنسب والإضافات فالإضافات المختلفة فصول مقومة لها فقولنا شكر المنعم حسن لذاته معناه أن الشكر المضاف إلى المنعم حسن لا أن ذات الشكر من غير إضافة حسن
أما الأول فإما أن لا يقبل سقوط التكليف كالتصديق وإما أن يقبل كالإقرار باللسان يسقط حال الإكراه والتصديق هو الأصل والإقرار ملحق به لأنه دال عليه فإن الإنسان مركب من الروح والجسد فلا تتم صفة إلا بأن تظهر من الباطن إلى الظاهر بالكلام الذي هو أدل على الباطن ولا كذلك سائر الأفعال إنما قال هذا للفرق بين الإقرار وعمل الأركان فإن الإقرار نجعله داخلا في الإيمان ولا نجعل عمل الأركان داخلا فيه واعلم أن المنقول من علمائنا رحمهم الله تعالى في هذه المسألة قولان أحدهما أن الإيمان هو التصديق وإنما الإقرار لإجراء الأحكام الدنيوية عليه والثاني أن الإيمان هو التصديق والإقرار معا
صفحة ٣٥٩