التوضيح في حل عوامض التنقيح

صدر الشريعة الأصغر ت. 747 هجري
158

التوضيح في حل عوامض التنقيح

محقق

زكريا عميرات

الناشر

دار الكتب العلمية

سنة النشر

1416هـ - 1996م.

مكان النشر

بيروت

وإنما قال أيضا ليعلم أن الاختيار ليس بمؤثر تام بل هو جزء المؤثر ببرهان آخر قد ثبت أنه لا يوجد شيء إلا وأن يجب وجوده بالغير فإن كان العبد موجبا لوجود بلا واسطة أمر فلا صنع له فيه كما لا صنع له في وجوده وفي ذاته وإن كان يتوسط وجود أمر فذلك الأمر يجب بالموجودات المستندة إلى الواجب فيخرج من صنع العبد وإن كان يتوسط عدم أمر لا يكون ذلك العدم العدم السابق على الوجود إذ لا صنع للعبد فيه فيكون العدم الذي بعد الوجود وهذا العدم لا يمكن إلا بزوال العلة التامة لذلك الأمر أو لبقائه فالعلة التامة إن كانت موجودات محضة تكون واجبة بالاستناد إلى الواجب تعالى فلا يقدر العبد على إعدامها وإن كان للعدم مدخل في تلك العلة التامة فزوال العدم هو الوجود فيكون يتوسط وجود أمر وقد مر امتناعه وقد ثبت بالوجدان أن للعبد صنعا ما فلا يكون إلا في أمر لا موجود ولا معدوم ولا يكون ذلك الأمر واجبا بواسطة الموجودات المستندة إلى الواجب تعالى إذ حينئذ يخرج من صنع العبد ثم ذلك الشيء الموجود لا يجب على تقدير ذلك الأمر لتوقفه على أمور لا صنع للعبد فيها أصلا كقدرة العبد ووجوده وأمثالهما فالأمر الإضافي الذي هو الصادر من العبد وهو الذي لا يجب عند وجود الأثر يسمى كسبا وقد قال مشايخنا إن ما يقع به المقدور مع صحة انفراد القادر به فهو خلق وما يقع به المقدور لا مع صحة انفراد القادر به فهو كسب ثم إن مقدورات الله قسمان الأول ما يصح انفراد القادر به مع تحقق الانفراد كما في الموجودات التي لا صنع للعبد فيها والثاني ما يصح انفراد القادر به لكن لا يكون منفردا بل يكون لقدرة العبد مدخل ما في ذلك الشيء كالأفعال الاختيارية للعبادة وقد قيل ما وقع لا في محل قدرته فهو خلق وما وقع في محل قدرته فهو كسب هذا وإن كان تفسيرا آخر لكن في الحقيقة المجموع تفسير واحد فالخلق أمر إضافي يجب أن يقع به المقدور لا في محل القدرة ويصح انفراد القادر بإيقاع المقدور بذلك الأمر والكسب أمر إضافي يقع به المقدور في محل القدرة ولا يصح انفراد القادر بإيقاع المقدور بذلك الأمر فالكسب لا يوجب وجود المقدور بل يوجب من حيث هو كسب اتصاف الفاعل بذلك المقدور ثم اختلاف الإضافات ككونه طاعة أو معصية حسنة أو قبيحة مبنية على الكسب لا على الخلق إذ خلق القبيح ليس بقبيح إذ خلقه لا ينافي المصلحة والعاقبة الحميدة بل يشتمل على كثير منهما وإنما الاتصاف به بإرادته وقصده قبيح وقد علم أن الكسب من حيث هو هو يوجب الاتصاف به فالقصد إليه قبيح لأنه موصل إلى القبيح لأنه يعلم أنه كلما قصده يخلقه الله تعالى ولا جبر في القصد

فالحاصل أن مشايخنا رحمهم الله تعالى ينفون عن العبد قدرة الإيجاد والتكوين فلا خالق ولا مكون إلا الله لكن يقولون إن للعبد قدرة ما على وجه لا يلزم منه وجود أمر حقيقي لم يكن بل إنما يختلف بقدرته النسب والإضافات فقط كتعيين أحد المتساويين وترجيحه هذا ما وقفت عليه من مسألة الجبر والقدرة وبالله التوفيق

صفحة ٣٥٣