التوضيح في حل عوامض التنقيح
محقق
زكريا عميرات
الناشر
دار الكتب العلمية
سنة النشر
1416هـ - 1996م.
مكان النشر
بيروت
تصانيف
وإلى انفراده بالإنفاق على الولد إذ لا يشاركه أحد في هذه النسبة فكذلك في حكمها وإلى أن أجر الرضاع يستغني عن التقدير لأنه تعالى أوجب على الأب رزق أمهات الأولاد من غير تقدير فإن أراد استئجار الوالدة لإرضاع ولدها يكون ثابتا بالإشارة وإن أراد استئجار غير الوالدة فثبوته بدلالة النص لا بالإشارة لعدم ثبوته بالمنطوق وقوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك إشارة إلى أن الورثة ينفقون بقدر الإرث لأن العلة هي الإرث لأن النسبة إلى المشتق توجب علية المأخوذ وكقوله تعالى إطعام عشرة مساكين فيه إشارة إلى أن الأصل فيه هو الإباحة والتمليك ملحق به وعند الشافعي لا يجوز لا بالتمليك كما في الكسوة لأن الإطعام جعل الغير طاعما لا جعله مالكا وألحق به التمليك دلالة لأن المقصود قضاء حوائجهم وهي كثيرة فأقيم التمليك مقامها ولا كذلك في الكسوة أي لا يكون الأصل في الكسوة الإباحة لأن الكسوة بالكسر الثوب فوجب أن تصير العين كفارة وإذا بتمليك العين لا إعارة لا إذ هي ترد على المنفعة على أن الإباحة في الطعام تتم المقصود أي سلمنا أن الكسوة بالكسر مصدر لكن الإباحة في الطعام وهي أن يأكلوا على ملك المبيح يتم بها المقصود دون إعارة الثوب وهي أن يلبسوا على ملك المبيح فإنه لا يتم بها المقصود فإن للمبيح ولاية الاسترداد في إعارة الثوب ولا يمكن الرد في الطعام بعد الأكل وأما دلالة النص وتسمى فحوى الخطاب فكقوله تعالى فلا تقل لهما أف يدل على حرمة الضرب لأن معنى المفهوم منه وهو الأذى أي المعنى الذي يفهم منه أن التأفيف حرام لأجله وهو الأذى موجود في الضرب بل هو أشد كالكفارة وبالوقاع وجبت عليه أي على الزوج نصا وعليها أي على المرأة دلالة لأن المعنى الذي يفهم موجبا للكفارة هو الجناية على الصوم وهي مشتركة بينهما وكوجوب الكفارة عندنا في الأكل والشرب بدلالة نص ورد في الوقاع لأن المعنى الذي يفهم في الوقاع موجبا للكفارة هو كونه جناية على الصوم فإنه الإمساك عن المفطرات الثلاث فيثبت الحكم فيهما بل أولى لأن الصبر عنهما أشد والداعية إليهما أكثر فبالأحرى أن يثبت الزاجر فيهما وكوجوب الحد عندهما في اللواطة بدلالة نص ورد في الزنا فإن المعنى الذي يفهم فيه قضاء الشهوة بسفح الماء في محل محرم مشتهى وهذا موجود في اللواطة بل زيادة لأنها في الحرمة وسفح الماء فوقه أي فوق الزنا أما في الحرمة فلأن حرمة اللواطة لا تزول أبدا وأما في سفح الماء فلأنها تضييع الماء على وجه لا يتخلق منه الولد وفي الشهوة مثله لكنا نقول الزنا أكمل في سفح الماء والشهوة لأن فيه هلاك البشر لأن ولد الزنا هالك حكما وفيه إفساد الفراش أي فراش الزوج لأنه يجب فيه اللعان وتثبت الفرقة بسببه ويشتبه النسب وأما تضييع الماء فقاصر أي ما قال من تضييع الماء في اللواطة فقاصر في الحرمة لأنه قد يحل بالعزل والشهوة فيه من الطرفين فيغلب وجوده أي وجود الزنا والترجيح بالحرمة غير نافع أي ترجيح اللواطة على الزنا بالحرمة غير نافع في وجوب الحد لأن الحرمة المجردة بدون هذه المعاني أي المعاني المخصوصة بالزنا وهي إهلاك البشر وإفساد الفراش واشتباه النسب لا توجب الحد كالبول مثلا وكوجوب القصاص بالمثقل عندهما بدلالة قوله عليه السلام لا قود إلا بالسيف يحتمل معنيين أحدهما أن القصاص لا يقام إلا بالسيف الثاني أن لا قود إلا بسبب القتل بالسيف فإن المعنى الذي يفهم موجبا حال من الضمير في يفهم للجزاء الكامل عن انتهاك حرمة النفس متعلق بالجزاء والانتهاك افتعال من النهك وهو القطع يقال سيف نهيك أي قاطع ومعناه قطع الحرمة بما لا يحل في تاج المصادر الانتهاك حرمة كسي شكستن الضرب خبران بما لا يطيقه البدن وقال أبو حنيفة رحمه الله المعنى جرح ينقض البنية ظاهرا وباطنا فإنه حينئذ يقع الجناية قصدا على النفس الحيوانية التي بها الحياة فتكون أكمل وكوجوب الكفارة عند الشافعي رحمه الله تعالى في القتل العمد واليمين الغموس بدلالة نص ورد في الخطأ والمعقودة أوجب الشافعي الكفارة في القتل العمد بدلالة نص ورد في الخطأ وهو قوله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة وأوجب الكفارة في الغموس بدلالة نص ورد في المعقودة وهو قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته الآية لأنه لما أوجب القتل الخطأ الكفارة مع وجود العذر فأولى أن تجب بدونه وإذا وجبت الكفارة في المعقودة إذا كذبت فأولى أن تجب في الغموس وهي كاذبة في الأصل لكنا نقول الكفارة عبادة ليصير ثوابها جبرا لما ارتكب فلهذا تؤدى بالصوم وفيها معنى العقوبة فإنها جزاء يزجره عن ارتكاب المحظور فيجب أن يكون سببها دائرا بين الحظر والإباحة كقتل الخطأ والمعقودة فإن اليمين مشروعة والكذب حرام فأما العمد والغموس فكبيرة محضة وهي لا تلائم العبادة وهي تمحو الصغائر لا الكبائر وقال الله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات فإن قيل ينبغي أن لا تجب في القتل بالمثقل لأنه حرام محض هذا إشكال على قوله فيجب أن يكون سببها دائرا بين الحظر والإباحة فإن القتل بالمثقل حرام محض فيجب أن لا تجب فيه الكفارة قلنا فيه شبهة الخطأ أي في القتل بالمثقل شبهة الخطأ فإنه ليس بآلة القتل وهي أي الكفارة مما يحتاط في إثباته فتجب بشبهة السبب والسبب القتل الخطأ فإن قيل ينبغي أن تجب فيما إذا قتل مستأمنا عمدا فإن الشبهة قائمة هذا إشكال على قوله فيه شبهة الخطأ فإن قتل المستأمن فيه شبهة الخطأ بسبب المحل فإن المستأمن كافر حربي فظنه محلا يباح قتله كما إذا قتل مسلما ظنه صيدا أو حربيا وإذا كان فيه شبهة الخطأ ينبغي أن تجب فيه الكفارة كما في القتل بالمثقل تجب الكفارة لشبهة الخطأ قلنا الشبهة في محل الفعل فاعتبرت في القود فإنه مقابل بالمحل من وجه لقوله تعالى أن النفس بالنفس فأما الفعل فعمد خالص والكفارة جزاء الفعل وفي المثقل الشبهة في الفعل فأوجبت الكفارة وأسقطت القصاص فإنه جزاء الفعل أيضا من وجه يعني شبهة الخطأ في قتل المستأمن إنما هي في محل الفعل لا في الفعل فإن قتل المستأمن من حيث الفعل عمد محض فاعتبرت الشبهة فيما هو جزاء المحل والقصاص جزاء المحل من وجه فاعتبرت الشبهة فيه حتى لا يجب القصاص بقتل المستأمن ولم تعتبر هذه الشبهة فيما هو جزاء الفعل من كل الوجوه وهو الكفارة فلم تجب الكفارة في قتل المستأمن أما القتل بالمثقل فإن شبهة الخطأ فيه من حيث الفعل فاعتبرت فيما هو جزاء الفعل من كل الوجوه وهو الكفارة حتى وجبت الكفارة فيه وكذا اعتبرت فيما هو جزاء الفعل من وجه وهو القصاص حتى لم يجب القصاص فيه وينبغي أن يعلم أن الشبهة مما تثبت الكفارة وتسقط القصاص وإنما قلنا إن القصاص من وجه جزاء المحل ومن وجه آخر جزاء الفعل أما الأول فلقوله تعالى أن النفس بالنفس وكونه حقا لأولياء المقتول يدل على هذا
صفحة ٢٥٤