ولا يزاد عليه أي على حد الفقه المصطلح التي لا يعلم كونها من الدين ضرورة لإخراج مثل الصلاة والصوم فإنهما منه وليس المراد بالأحكام بعضها وإن قل اعلم أن هذا القيد ذكر في المحصول ليخرج مثل الصلاة والصوم وأمثالهما إذ لو لم يخرج لكان الشخص العالم بوجوبهما فقيها وليس كذلك فأقول هذا القيد ضائع لأنا لا نسلم أنه لو لم يخرج لكان الشخص العالم بوجوبهما فقيها لأن المراد بالأحكام ليس بعضها وإن قل فإن الشخص العالم بمائة مسألة من أدلتها سواء يعلم كونها من الدين ضرورة أو لا يعلم كالمسائل الغريبة التي في كتاب الرهن ونحوه لا يسمى فقيها فالعلم بوجوب الصلاة والصوم من الفقه مع أن العالم بذلك وحده لا يسمى فقيها كالعلم بمائة مسألة غريبة فإنه من الفقه لكن العالم بها وحدها ليس بفقيه فلا معنى لإخراجهما منه بذلك العذر الفاسد ثم اعلم أنه لا يراد بالأحكام الكل لأن الحوادث لا تكاد تتناهى ولا ضابط يجمع أحكامها ولا يراد كل واحد لوجود لا أدري ولا بعض له نسبة معينة بالكل كالنصف أو الأكثر للجهل به ولا التهيؤ للكل إذ التهيؤ البعيد قد يوجد لغير الفقيه والقريب مجهول غير منضبط ولا يراد أنه يكون بحيث يعلم بالاجتهاد حكم كل واحد لأن العلماء المجتهدين لم يتيسر لهم علم بعض الأحكام مدة حياتهم كأبي حنيفة رحمه الله تعالى لم يدر الدهر وللخطأ في الاجتهاد ولأن حكم بعض الحوادث ربما يكون مما ليس للاجتهاد فيه مساغ وأيضا لا يليق في الحدود أن يذكر العلم ويراد به تهيؤ مخصوص إذ لا دلالة للفظ عليه أصلا وإذا عرفت هذا فلا بد أن يكون الفقه علما بجملة متناهية مضبوطة فلهذا قال بل هو العلم بكل الأحكام الشرعية العملية التي قد ظهر نزول الوحي بها والتي انعقد الإجماع عليها من أدلتها مع ملكة الاستنباط الصحيح منها فالمعتبر أن يعلم في أي وقت كان جميع ما قد ظهر نزول الوحي به في ذلك الوقت فالصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا فقهاء في وقت نزول بعض الأحكام بعده ثم ما لم يظهر نزول الوحي به قد لا يعلمه الفقيه والصحابة رضي الله عنهم لعربيتهم كانوا عالمين بما ذكر ولم يطلق الفقيه إلا على المستنبطين منهم وعلم المسائل الإجماعية يشترط إلا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم الإجماع في زمنه لا المسائل القياسية للدور بل يشرط ملكة الاستنباط الصحيح هو أن يكون مقرونا بشرائطه وما قيل إن الفقه ظني فلم أطلق العلم عليه فجوابه أولا أنه مقطوع به فإن الجملة التي ذكرنا أنها فقه وهي ما قد ظهر نزول الوحي به وما انعقد الإجماع عليه قطعية
صفحة ٣٢