توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم

أحمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد الله بن عيسى (المتوفى: 1327هـ) ت. 1327 هجري
73

توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم

محقق

زهير الشاويش

الناشر

المكتب الإسلامي

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٠٦

مكان النشر

بيروت

بِمَشِيئَة الله المستلزمة لحدوثه ثمَّ إِن الفلاسفة الدهرية الْقَائِلين بقدم الْعَالم قَالُوا مَا ذكرتموه من الدَّلِيل لَا يدل على الْحُدُوث بل يَقْتَضِي عدم الْحُدُوث لِأَن حُدُوث الْحَوَادِث عَن ذَات لم تزل معطلة عَن الْفِعْل بَاطِل فَيكون الْعَالم قَدِيما وعبروا عَن ذَلِك بِأَن جَمِيع الْأُمُور الْمُعْتَبرَة فِي كَونه فَاعِلا إِن وجدت فِي الْأَزَل لزم وجود الْفِعْل فِي الْأَزَل وَإِلَّا لزم تخلف الْمُقْتَضِي التَّام وَحِينَئِذٍ فَإِذا وجدت بعد ذَلِك لزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَإِن لم تُوجد فِي الْأَزَل فوجودها بعد ذَلِك أَمر حَادث فَيَقْتَضِي أمرا حَادِثا وَإِلَّا لزم الْحُدُوث بِلَا مُحدث وَحِينَئِذٍ فَيلْزم تسلسل الْحَوَادِث فَإِن القَوْل فِي هَذَا الْحَادِث كالقول فِي غَيره وَهَذَا مِمَّا يُنكره الْمُعْتَزلَة وموافقوهم المتكلمون قَالُوا فَأنْتم بَين أَمريْن إِمَّا إِثْبَات التسلسل فِي الْحَوَادِث وَإِمَّا إِثْبَات التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَكِلَاهُمَا مُمْتَنع عنْدكُمْ ثمَّ زعم هَؤُلَاءِ الفلاسفة أَن الْعَالم الْقَدِيم بِنَاء على هَذِه الْحجَّة وَمن سلك سَبِيل السّلف وَالْأَئِمَّة أثبت مَا أثْبته الرَّسُول من حُدُوث الْعَالم بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ الَّذِي لَا يحْتَمل النقيض وَبَين خطأ الْمُتَكَلِّمين من الْمُعْتَزلَة وَنَحْوهم الَّذين خالفوا السّلف وَالْأَئِمَّة بابتداع بِدعَة مُخَالفَة للشَّرْع وَالْعقل وَبَين أَن ضلال الفلاسفة الْقَائِلين بقدم الْعَالم ومخالفتهم لِلْعَقْلِ وَالشَّرْع أعظم من ضلال أُولَئِكَ وَبَيَان الِاسْتِدْلَال على حُدُوث الْعَالم لَا يحْتَاج إِلَى الطَّرِيق الَّتِي سلكها أُولَئِكَ المتكلمون بل يُمكن إِثْبَات حُدُوثه بطرِيق أُخْرَى صَحِيحَة لَا يعارضها عقل صَرِيح وَلَا نقل صَحِيح وَثَبت بذلك أَن كل مَا سوى الله فَإِنَّهُ مُحدث كَانَ بعد أَن لم يكن سَوَاء سمي جسما أَو عقلا أَو نفسا أَو غير ذَلِك فَإِن أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمين من الْمُعْتَزلَة وأتباعهم لما لم يكن فِي حجتهم إِلَّا إِثْبَات حُدُوث أجسام الْعَالم قَالَت الفلاسفة وَمن وفقهم من الْمُتَأَخِّرين كالشهرستاني والرازي والآمدي وَغَيرهم أَنكُمْ لم تُقِيمُوا دَلِيلا على نفي

1 / 74