وإذا كانت التوبة تمحو كل ذنب حتى الشرك بالله، وقتل أنبيائه، وأوليائه، والسحر، والكفر، وغير ذلك_فلا تقصر عن محو هذا الذنب.
وقد استقرت حكمة الله_تعالى_به عدلا وفضلا أن التائب من الذنب كم لا ذنب له، وقد ضمن الله_سبحانه_لمن تاب من الشرك، وقتل النفس، والزنا أنه يبدل سيئاته حسنات.
وهذا حكم عام لكل تائب من كل ذنب، وقد قال_تعالى_: [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم] الزمر: 53.
فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد، ولكن هذا في حق التائب خاصة.
وأما المفعول به إن كان في كبره شرا مما كان في صغره لم يوفق لتوبة نصوح، ولا لعمل صالح، ولا استدرك ما فات، وأحيا ما أمات، ولا بدل السيئات بالحسنات_فهذا بعيد أن يوفق عند الممات لخاتمة يدخل بها الجنة؛ عقوبة له على عمله؛ فإن الله_سبحانه_يعاقب على السيئة بسيئة أخرى، وتتضاعف عقوبة السيئات بعضها ببعض، كما يثيب على الحسنة بحسنة أخرى+(236).
وبناء على ما مضى فإنه يجب على من وقع في اللواط أن يتوب إلى الله_عز وجل_سواء كان فاعلا، أو مفعولا به، أو معينا على ذلك، أو داعيا إليه.
ويقال لمن وقع في ذلك الجرم ما يقال لمن وقع في الزنا، من جهة الاستتار، وأنه لا يلزمه أن يسلم نفسه.
بل عليه أن يعزم ويجزم، وأن يقبل على ربه، وأن يفكر في عاقبة أمره، وأن يعلم أنه على خطر عظيم إن هو استمر على فعلته، وأنه كالشارب من ماء البحر لا يروى، وكالمصاب بداء الجرب لا يزيده الحك إلا ضراوة واستمرارا.
وليعلم أنه معان من الله إن هو صدق في التوبة.
ومما يعينه على ذلك أن يقطع علاقته بكل ما يذكره بالفاحشة من صور، أو رسائل، أو نحو ذلك، وأن يصبر خصوصا في بداية أمره.
صفحة ٨٩