ويجهلون القوى التي حاربتهم، والمؤامرات التي نسجت عبر التاريخ للقضاء عليهم.
فهؤلاء الذين نسميهم مثقفين ومفكرين عندما واجهوا الغرب، وحضارته، وفنه، وأدبه_لم يواجهوه إلا بعقول خواء، وأفئدة هواء، ونفوس مجردة من معاني الأصالة والعزة والأنفة؛ فلم يواجهوا الحضارة الحاضرة مواجهة مدركة، فاحصة، مقومة.
وإنما واجهوها مواجهة سطحية تنطلق من مواطن الجهل، والذلة، والشعور بالهزيمة، فانبهروا بكل ما فيها دونما تمييز بين الحق والباطل، والضار والنافع؛ فنكسوا رؤوسهم حطة أمام الغرب.
ولهذا تراهم يهشون ويطربون إذا ذكر اسم فرويد، أو نيتشه، أو ت.إس إليوت، أو ماركيز، أو غيرهم من مفكري الغرب على اختلاف توجهاتهم ومدارسهم الفكرية.
وإذا ذكر الله ورسوله_اشمأزت قلوبهم، واستولى عليهم الشعور بالهزيمة والذلة.
ومن هنا فإن مثقفينا_في فروع الحياة كلها إلا من رحم ربك_قد نقشوا ما عند الغربيين، وظنوا أنه لا ثقافة إلا ثقافتهم، ولا أدب إلا أدبهم، ولا واقع إلا واقعهم؛ فهم جهلوا الإسلام وحضارته، وعرفوا كل شيء عن الغرب.
وأكثر هؤلاء لا يتبرؤون من الإسلام، بل يصرحون بانتمائهم للأمة الإسلامية.
ولكنهم يفهمون الإسلام من إطار المفهوم الغربي للدين.
والمفهوم الغربي للدين يتلخص في أن الدين عبارة عن رابطة فردية خاصة بين الإنسان وربه؛ فالإنسان يؤمن بمجموعة من القيم والأخلاق التي يستقيها من إيمانه بالله، تصوغ شخصيته، وتجعل منه إنسانا اجتماعيا يستقيم سلوكه العام في إطار الإيمان الديني.
أما الحياة بشمولها فإنها_في نظرهم_لا بد أن تخضع لحركة العقل المتغير عبر الزمان والمكان (99).
يقول الدكتور محسن عبدالحميد_أحد علماء العراق_: =من خلال عشرات المواقف الأليمة جدا التي مرت في حياتي التدريسية، والتي أثبتت لي بشكل قطعي هذا الجهل العام بين كثير من مثقفينا للإسلام أروي الحوادث الآتية:
صفحة ٣٩