فإذا قيل له_على سبيل المثال_: لم لا تصلي؟ قال: ما أراد الله لي ذلك، وإذا قيل له: متى ستتوب؟ قال: إذا أراد الله ذلك.
وهذا خطأ وضلال وانحراف؛ فالإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات، أو ما فعل من المعاصي؛ فإذا كان ذلك القائل يقصد بالإرادة الإرادة بمعنى المحبة فقد أعظم الفرية على الله؛ لأنه_عز وجل_أحب الطاعة، ورضيها، وأمر بها، وشرعها.
وإن كان يقصد بها الإرادة بمعنى المشيئة، وأن الله لم يقدر له كذا وكذا من الطاعات، أو قدر عليه كذا وكذا من المعاصي_فقد أخطأ_أيضا_.
ذلك أن قدر الله سر مكتوم عنده، ولا يعلمه أحد من الخلق إلا بعد وقوعه.
وإرادة العبد سابقة لفعله، فتكون إرادته غير مبنية على علم بقدر الله؛ فادعاؤه مردود، وحجته داحضة، واحتجاجه باطل.
فالاحتجاج بالقدر على هذا النحو مخاصمة لله، واحتجاج من العبد على الرب، وحمل للذنب على الأقدار؛ فلا عذر لأحد البتة في معصية الله، ومخالفة أمره مع علمه بذلك، وتمكنه من الفعل والترك، ولو كان له عذر لما استحق العقوبة، واللوم لا في الدنيا، ولا في العقبى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولا لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر.
ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده؛ فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بداية العقول+(88).
وبما أن هذا الأمر مما يعم به البلاء فهذا إيراد لبعض الأدلة الشرعية، العقلية، والواقعية التي يتضح من خلالها بطلان الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي، أو ترك الطاعات:
صفحة ٣٠