وفيما يلي ذكر لبعض الأسباب المعينة على ترك العشق على سبيل الإجمال، أما التفصيل في ذلك فستجده في الباب الثاني من هذا الكتاب ضمن الأمور المعينة على التوبة عموما.
فمن تلك الأسباب ما يلي: (291)
أ_الدعاء: والتضرع إلى الله_عز وجل_وصدق اللجأ إليه، والإخلاص له، وسؤاله السلو؛ فإن المبتلى بهذا الداء مضطر، والله يجيب المضطر إذا دعاه.
ب_غض البصر: قال ابن الجوزي×: =والواجب على من وقع بصره على مستحسن، فوجد لذة تلك النظرة في قلبه أن يصرف بصره؛ فمتى ما تثبت في تلك النظرة أو عاود وقع في اللوم شرعا وعقلا.
فإن قيل: فإن وقع العشق بأول نظرة فأي لوم على الناظر؟
فالجواب: أنه إذا كانت النظرة لمحة لم تكد توجب عشقا، إنما يوجبه جمود العين على المنظور بقدر ما تثبت فيه، وذلك ممنوع منه، ولو قدرنا وجوده باللمحة؛ فأثر محبة سهل قمع ما حصل+(292).
إلى أن قال: =فإن قيل: فما علاج العشق إذا وقع بأول لمحة؟
قيل: علاجه الإعراض عن النظر؛ فإن النظر مثل الحبة تلقى في الأرض؛ فإذا لم يلتفت إليها يبست، وإن سقيت نبتت؛ فكذلك النظرة إذا ألحقت بمثلها+(293).
وقال: =فإن جرى تفريط بإتباع نظرة لنظرة فإن الثانية هي التي تخاف وتحذر؛ فلا ينبغي أن تحقر هذه النظرة؛ فربما أورثت صبابة صبت دم الصب+(294).
وقال ابن القيم×: =فعلى العاقل ألا يحكم على نفسه عشق الصور؛ لئلا يؤديه ذلك إلى هذه المفاسد، أو أكثرها، أو بعضها؛ فمن فعل ذلك فهو المفرط بنفسه، المغرور بها؛ فإذا هلكت فهو الذي أهلكها؛ فلولا تكراره النظر إلى وجه معشوقه، وطمعه في وصاله_لم يتمكن عشقه من قلبه+(295).
فعلى من يريد السلامة لنفسه أن يغض طرفه عما تشتهيه نفسه من الحرام، وليكن له في ذلك الغض نية يحتسب بها الأجر، ويكتسب بها الفضل، ويدخل في جملة من نهى النفس عن الهوى.
هذا وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في الباب الثاني_إن شاء الله تعالى_.
صفحة ١٠٦