قال: ذلك يحيى بن عبد الله بن الحسن إذا صلى العتمة سجد فلا يزال ساجدا حتى يقوم لصلاة الغداة، يقطع ليله بسجدة واحدة.
فقلت في نفسي: ويلك! انظر ويلك! أن لا تكون المبتلى به.
فقال لي: إذا كان كل يوم عند الغداء فمر الطباخ أن يجمع على مائدته من كل شيء في المطبخ، ومر من يحملها إليه وكن معه حتى يأكل بحضرتك، ففعلت ذلك أياما، فقال لي يحيى بن عبد الله يوما من الأيام: يا أبا علي.
قلت: لبيك جعلت فداك.
قال: إن لصاحبك هذا قبلنا إرادة، وهذه أمانة الله بيني وبينك علي أن تكتم على هذه القرطاس حتى يمضي إرادته فينا، فإذا كان ذلك كذلك فناولها إياه.
قال: فأخذتها منه فإذا قرطاس قدر إصبع مختومة.
ثم قال: حرجت عليك بوقوفك بين يدي الله تعالى لما كتمتها علي إلى ذلك الوقت.
قال: فكتمتها وأحرزتها.
قال: فما مضى لذلك أيام حتى رفعت جنازة من الدار، وقيل: جنازة يحيى بن عبد الله، فلما فرغ من دفنها حملت القرطاس إليه وأخبرته الخبر ففكها، فإذا فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم. يا هارون المستعدي قد تقدم، والخصم في الأثر، والقاضي لا يحتاج إلى بينة.
فبكى حتى بل طرف ثوبه، ثم قال لي: أناولتنيها في حياته.
فقلت له: إنه حرج علي بالعظيم من الأيمان.
قال زيد بن الحسين أبو أحمد: حدثت صالح بن هامان بهذا الحديث كاتب عبد الله بن طاهر، فقال لي: رفعت الجنازة يا أبا أحمد لا والله ما كانت جنازة يحيى بن عبد الله.
فقلت: فكيف ذلك؟
قال: لما قدمنا مع المأمون بعد إذ أمر بخراب الخلد والقرار قصري أم جعفر فوكلت بخرابهما فيما خربت، فكان فيما خربت مجلسا، فإذا يحيى بن عبد الله في جوف بعض الأساطين، مصحفة معلق من عنقه.
صفحة ٤٤٩