وكان عليه السلام في الورع إلى حد تقصر العبارة دونه، غزير الدمعة(1)، كثير الخوف، دائم الفكر، وفي الزهادة والفضل والعبادات أرفع الدرجات(2).
وكان -عليه السلام- كثير الحلم، عظيم الصفح، حتى لقد دخل موضعا يجدد(3) فيه الطهارة؛ فرأى فيه رجلا متغير اللون، يرتعد فزعا، فقال له -عليه السلام-: ما دهاك؟، فقال: إني بعثت لقتلك، قال -عليه السلام-: وما [الذي](4) وعدوك عليه، قال: بقرة، فقال -عليه السلام-: ما نجد بقرة، وأدخل يده في جيبه وناوله خمسة دنانير، وقال: اشتر بها بقرة، ولا تعد إلى مثل ذلك.
وكان يصرف من خاصة ماله إلى بيت المال عوضا عما يترك(5) الكاتب في رؤوس الكتب وبين السطور من البياض، وحمل إلى داره طعام ليصرفه في المصالح فانتثرت(6) منه حبات فالتقطها دجاج له(7) فصرفها إلى بيت المال.
وكان له صديق يهدي إليه كل سنة رمانا، فأهدى له في بعض السنين أكثر فسأله عن ذلك؟ فقال: زاد الله في رماننا، فزدناك(8)، فلما أراد الخروج شكا من بعض الناس فعرف -عليه السلام- أن الزيادة من أجل(9) ذلك، فقال: ردوا عليه رمانه كله وأمر برفع الأذى عنه فيما شكاه.
قال مصنف سيرته: سمعت القاضي أبو الحسين(10) يقول: ليس اليوم أكثر تحقيقا في الفقه من السيد أبي الحسين الهاروني، وكان -عليه السلام- مستجاب الدعوة (من فوره)(11)، وكان في الشجاعة بالمحل العالي، وله ملاحم مشهورة يطول ذكرها.
صفحة ٩