بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المحمود لآلائه المشكور لنعمائه المعبود لكماله المرهوب لجلاله الذي ارتفع شأنه عن مشابهة الأنام وتقدس بكمال ذاته عن إحاطة دقائق الأفهام، وتعالى في عظمته أن تبلغ كنهه حقيقة الأوهام، وأفاض سحاب الأفضال على جميع البرية فشملهم بسوابغ الأنعام. أحمده على ما منحه من إرشاده وهدايته وأسأله العصمة من الشيطان الرجيم وغوايته، وأصلي على أشرف من بعثه ببرهانه وآياته، وجعله سيد متحمل رسالاته، سيدنا محمد صاحب شريعته ودلالاته، وعلى ابن عمه علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه المختار لوصيته وخلافته، وعلى الأئمة من ذريته وسلالته.
وبعد فإن أحق الفضائل بالتعظيم وأجراها باستحقاق التقديم وأتمها في استجلاب ثوابه الجسيم هو العلم بالأحكام الشرعية والوظائف الدينية إذ به تحصل السعادة الأبدية والتخلص من الشقاوة السرمدية، فوجب على كل مكلف صرف الهمة إليه بقدر القابلية وإنفاق هذه المهلة اليسيرة.
ولما نظرت أن قلم البحر الخضم العم الشيخ شيخ يوسف - قدس سره - قصر عن تتمه كتابه المسمى ب " الحدائق " من حيث عاجله القضاء المحتوم الذي جارى على العموم عمدت على تتمته مستعينا بالله وبنبيه وبعترته الطاهرين صلوات
صفحة ٧
الله عليهم أجمعين وذلك لما جف منه قلم الناسخ وهو هذا: وقد ورد في الأخبار أنه مع اختلافهم في الحكم يؤخذ بخلاف ما إليه قضاتهم وحكامهم أميل (1) كما وقع في المقبولة الحنظلية، فيجوز أن يكون ذلك الوقت متلبسا بهذا المرجح لكنه لا يكون على سبيل التحقيق على أنه يمكن أن يكون الحامل للشيخ على ارتكاب التقية في أحد الطرفين دون الآخر لقوة المشهور وضعف ما قابله فتوى ودليلا لأن صحيحة بريد العجلي (2) كما في الفقيه وخبر الكناسي (3) كما في التهذيب والكافي مؤيدان باطلاق صحيحة محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: سألته عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها قبل أن يواقعها فبانت منه، عليه الكفارة؟ قال: لا ".
وصحيح جميل (5) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " قال: سألناه عن الظهار متى يقع على صاحبه الكفارة؟ قال : إذا أراد أن يواقع امرأته، قلت: فإن طلقها قبل أن يواقعها، أعليه كفارة؟ قال: لا، سقطت عنه الكفارة ".
وصحيحته الأخرى وابن بكير وحماد بن عثمان " (6) كلهم عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: المظاهر إذا طلق سقطت عنه الكفارة ".
فيكون هذا موجبا لاختصاص التقية بصحيح علي بن جعفر المذكور إن أبقيناه على ظاهره، واحتمل فيه العلامة حمله على فساد النكاح لأنه عقيب تزويجها بعد طلاقها بشهر أو شهرين فيكون قد وقع في العدة فيكون باطلا.
واستحسنه بعضهم وأيده بأمرين: " أحدهما " تعقيب التزويج بالفاء المقتضية
صفحة ٨
للفورية وذلك يقتضي عدم الخروج من العدة " وثانيهما " أنه حكاية الحديث تشعر به حيث قال " فراجعها الأول " ولم يقل تزوجها، ولا يخفى عليك ما في هذا التنزيل والتأييد، لأن إطلاق التزويج محمول على الصحيح والشهر والشهران مختلفان بين الظهار والطلاق لا بين الطلاق والتزويج، ثم تعقيب التزويج بالفاء يقتضي التعقيب والفورية بحسب الممكن لا مطلقا كما نبه عليه أهل العربية وصححوه في قولهم: تزوج فلان فلانة فولدت، فإن المراد به وجود الولادة في أول أوقات الامكان وذلك بعد مضي مدة الحمل لا عقيب التزويج بلا فصل، وكذلك قول القائل: دخلت بغداد فالبصرة، وأمثال ذلك كثير حينئذ. فيكون المراد من الخبر أنه تزوجها في أوقات الامكان شرعا وهو بعد انقضاء العدة بلا فصل. هذا إذا سلمنا دلالتها في مثل هذا المقام على الفورية. وعلى تقدير تسليم وقوع الشهر والشهرين بين التزويج والطلاق فيمكن انقضاء العدة بهما وبأقل منهما كما مر بيانه في تحقيق أقل المدة التي يمكن خروج المطلقة فيها باعتبار عدة الظهار.
وأما قوله " ثم طلقها فراجعها " فالكلام في الفاء هنا كالكلام في الأولى، فإن المراجعة بعد الطلاق ليس المراد بها هو العود إلى نكاحها بالعقد الأول وإنما المراد به التزويج، وأطلق عليه المراجعة من حيث إنها كانت زوجة له أولا فأقام عوده لها بعقد جديد مقام الرجوع وهو رجوع لغة، ولهذا جاء في مواضع عديدة من الأخبار إطلاق المراجعة إلى الزوجة في الطلاق النسبي بالمعنى الأخص بأن يراجعها بعقد جديد. فحمله في هذا الخبر على الرجوع الشرعي وإبقاء العدة الأولى في غاية السماجة (1) والبعد، على أنه يلزم ارتكاب المجاز في قوله " ثم طلقها " لأن الطلاق لا يتعقب النكاح الفاسد لأن تزوجها الثاني في العدة مما يوجب فساده والتحريم المؤبد إن كان دخل بها، أو كان عالما بذلك وإن لم يدخل بها كما تقدم في مباحث النكاح.
صفحة ٩
ثم استظهر شيخنا ثاني الشهيدين في المسالك حمل الكفارة في هذا الصحيح على الاستحباب جمعا، لأن الأخبار الأول النافية للكفارة إذا أمضى الطلاق ولم يراجع في العدة كما عليه المشهور أكثر عددا وأصح سندا فيوجب صرف هذه الحسنة إلى الاستحباب، وحينئذ فتسلم من الاطراح وتجامع لمؤدات تلك الصحاح هذا على تقدير تحقق التعارض للاغماض عن مرجحات الأولى.
ونقل الفاضل الهندي في كشف اللثام عن ابن حمزة قولا ثالثا وهو أنه إن جدد العقد المظاهر بعد العدة لم تلزم الكفارة كالمشهور رجعيا أو بائنا. ويلزمه إن جدده على البائن في العدة - ولعله لعموم النصوص - خرج ما لو خرجت من العدة لصحيحة بريد وخبر يزيد الكناسي (1)، فيبقى الباقي، وليس هذا ببعيد لأن المراجعة في العدة سواء كانت مراجعة شرعية أو لغوية الشاملة للعقد عليها في العدة مما تترتب عليه الكفارة في أخبار المراجع في العدة، وإن كان المشهور لا يرضون به لأن المتبادر من الرجعة حيث تطلق هي المراجعة الشرعية لظاهر صحيحة بريد وخبر يزيد الكناسي، وقد سمعتهما حيث قال فيهما " قال: إذا طلقها تطليقة فقد بطل الظهار وهدم الطلاق الظهار، قلت: فله أن يراجعها؟ قال: نعم هي امرأته، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسا " وهي كما ترى في المراجعة الشرعية.
وكذلك ما دل على إطلاق المراجعة مثل صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله والحسن بن زياد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في التهذيب " قال: إذا طلق المظاهر ثم راجع فعليه الكفارة " يجب حمله على المراجعة الشرعية حملا للمطلق على المقيد، ومع هذا كله لا تجب الكفارة بمجرد المراجعة بل لا بد من إرادة المسيس والجماع لما تقدم من ترتب الكفارة على ذلك في الأصح.
صفحة ١٠
ويدل عليه هنا بخصوصه صحيحة الحلبي (1) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها، قال: ليس عليه كفارة، قلت: فإن أراد أن يمسها؟ قال: لا يمسها حتى يكفر ". وكأن قوله " ثم يريد أن تيم على طلاقها " مؤذن بأنه قد طلق بعد المظاهرة، وهذا من القرائن المقالية الواضحة، وكذا قوله " فإن أراد أن يسمها " قرينة على المراجعة في ذلك الطلاق ولو بالامساس، فيكون قوله " لا يمسها حتى يكفر " يعني بعد المراجعة أو بما إذا أراد المراجعة بنفس المسيس، أما ما جاء في خبر موسى بن بكير النمري (2) المرسل عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل ظاهر ثم طلق، قال: سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن يعاود المجامعة، قيل: فإنه راجعها، قال: إن كان طلق لاسقاط الكفارة عنه ثم راجعها فإن الكفارة لازمة له أبدا إذا عاود المجامعة، وإن كان طلقها وهو لا ينوي شيئا من ذلك فلا بأس أن يراجع ولا كفارة عليه " فهو من الأخبار المشكلة حيث لم يذهب ذاهب إلى تفصيله المذكور، ولم يطابقه شئ الأخبار الواردة في هذا المضمار، وقد احتمل فيه محدث الوسائل حمل المراجعة المنفية الكفارة معها عند إرادة مطلق الطلاق على المراجعة بعد العدة بعقد جديد لما تقدم في صحيحة بريد وغيرها، ويتحمل صدره أن الطلاق إذا وقع بقصد الفرار عن أثر الظهار غير عامل عمله بدليل قوله " إن كان طلق لاسقاط الكفارة عنه " فلم يحصل قصد البينونة فيكون لاغيا، كما أن الطلاق بقصد أن يراجع يقع لاغيا أو أنه وإن حصلت به البينونة لكن الغاية الموجبة له غير حاصلة به عقوبة من الشارع.
ولا ينافي هذا ما سيجئ عن قريب في المسائل والفروع من أن المظاهر يلزم بالطلاق أو الرجوع بعد المرافعة للحاكم الشرعي بعد ثلاثة أشهر من المرافعة ،
صفحة ١١
لأن ذلك الطلاق الملزوم به ليس لاسقاط الكفارة بل لتسريح المرأة بإحسان ولهذا يخير بينه وبين المراجعة والتكفير ولوجوب الوطء عليه بعد أربعة أشهر لبقائها على الزوجية. وقد ألحق جماعة من الأصحاب كالمحقق والعلامة بالطلاق في إسقاطه الكفارة إذا بانت منه لو عاودها بعد العدة الارتداد إذا كان عن ملة وقد صدر منه، وكذلك لو كان منها مطلقا. أما لو راجعها معه بعد التوبة منه أو منها في العدة حيث يصح الرجوع وجبت الكفارة لأنه كالطلاق الرجعي. وأوجب ابن الجنيد الكفارة في الارتداد إذا جدد العقد بناء على وجوبها بمجرد التربص وعدم الطلاق، وكذا لو ماتت أو مات أحدهما فلا كفارة إذا كان قبل المس، إلا على قول الإسكافي، أما لو وطأها بعد موتها فالظاهر أن عليه كفارتين للعموم والاستصحاب لأن الموت لم يخرجها عن الزوجية، ولهذا يغسلها وتغسله، وإن حرم وطؤها في تلك الحالة عليه فإن محرمات الأزواج أسباب الكثيرة كالحيض والاحرام والصيام والظهار والايلاء وكالمنكوحة قبل التسع إذا أفضاها لبقائها على الزوجية وإن حرم وطؤها، وأمثال ذلك في الأحكام كثيرة.
المسألة الرابعة: لو ظاهر من زوجته الأمة ثم اشتراها من مولاها فقد بطل العقد، فلو وطأها بالملك لم تجب الكفارة لما تقدم من أن البضع لا يستباح بسببين، والسبب الطارئ أقوى. وكذا لو ملكها بالإرث أو بسائر الأسباب المملكة لأن العقد لا يجامع ملك اليمين، وقد تقدم ما يدل عليه من الأخبار في نكاح الأمة مثل موثقة سماعة (1) " قال: سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين، قال: حرمت عليه " وفي موثقته (2) الأخرى عنه عليه السلام مثله، إلا أنه قال " حرمت عليه باشترائه إياها وذلك أن بيعها طلاقها ".
صفحة ١٢
وإذا ثبت ذلك بمقتضى الاجماع والأدلة زال التحريم المترتب على العقد واستباحها بالملك، وكان ذلك كما لو طلقها أو تزوجها بعد انقضاء العدة، بل هنا أقوى لاختلاف جنس السبب الذاهب والعائد بخلاف ما لو تزوجها بعد البينونة، فإن السبب وإن تعدد إلا أنه متحد في الجنس وإن اختلف في الشخص وفي معناه عندهم ما لو اشتراها غيره ثم فسخ النكاح وزوجه إياها بعقد مستأنف، وقد تقدم في أحكام نكاح الأمة ما يدل على أن له الفسخ كما في صحيحة محمد بن مسلم (1) وخبر الحسن بن زياد وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) وغيرها من الأخبار.
نعم، لو أقرها على نكاحه وجبت الكفارة لاستقرار النكاح المترتب عليه الظهار، ثم إنه على الأول لا يتوقف صحة العقد على الاستبراء ولا الاعتداد لأن الماء الواحد. ومثله أيضا ما لو طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة كما تقدم خلافا لابن حمزة وللإسكافي وعلى المشهور، فتحصل الحيلة بهذا في إسقاط حكم الظهار بغير تكفير، لكنه لا ينطبق بما دل عليه خبر موسى بن أكيل النمري (3)، حيث إن طلاقه وقع فرارا عن كفارة الظهار، وقد عرفت الكلام فيه لكنه لا ينطبق على المذهب المشهور بل لأعامل بها.
ولو قلنا بوقوع الظهار بملك اليمين كما هو الحق لدلالة المعتبرة المستفيضة عليه وضعف المعارض لها وهو خبر حمزة بن حمران كما تقدم في كلام جامع الأصل - قدس الله سره - فيمن ظاهر من أمته ثم باعها من غيره بطل حكم الظهار، فإن اشتراها منه لم يعد الظهار كما لو طلق بائنا ثم تزوجها، وأولى منه ما لو أعتقها ثم تزوجها لاختلاف السبب ولبينونتها من النكاح الأول بالعتق.
صفحة ١٣
فروع الأول: لو ظاهر من زوجته الأمة ثم عاد ثم قال لمالكها: أعتقها عن ظهاري، ففعل وقع عتقها عن كفارته وانتقلت لملكه آنا ما يستحق العتق عنه وانفسخ النكاح بينهما لأن إعتاقها عنه بإذنه يتضمن تمليكه - كما سيأتي في الكفارات وفي كتاب العتق - وقد تقرر بالنص والاجماع أنه إذا ملك زوجته انفسخ النكاح، ومثله ما لو أعتقها عنه باستدعائه عن كفارة أخرى ولو ملكها بعد ما ظاهر منها وعاد فانفسخ النكاح بينهما ثم أعتقها عن ظهاره عنها، ومثله لو آلى من زوجته الأمة ووطأها وحنث ولزمته الكفارة فقال لسيدها: أعتقها عن كفارة عني، ففعل فإنه يجوز وينفسخ النكاح لملكه لها بهذا الأمر بعتقها كما في مسألة الظهار السابقة. ولو ظاهر من زوجته الذمية بناء على جواز نكاحها ثم نقضت المرأة العهد فاسترقت فملكها ذلك الزوج المظاهر فأسلمت فأعتقها عن كفارة ظهاره أو غيرها جاز.
الثاني: لو ظاهر من أربع نسوة له بلفظ واحد وجب عليه عن كل واحدة كفارة لانعقاد الظهار من الأربع بكلمة واحدة بحيث يقول: أنتن علي كظهر أمي، فيصير بذلك مظاهرا منهن إجماعا، والنصوص بذلك مستفيضة وسيأتي ذكرها ثم إن فارقهن بما يجب البينونة من طلاق ونحوه ورفع به الظهار فلا كفارة وإن عاد إليهن جمع، فالمسألة موضع خلاف، فالمعظم بل حكى عليه الاجماع في الخلاف عن كل واحدة كفارة لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب وخالف الإسكافي فلم يوجب سوى واحدة، واحتج للمشهور بصحيحة حفص بن البختري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام " في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن جميعا كلهن بكلام واحد، فقال: عليه عشر كفارات ".
صفحة ١٤
وصحيحة صفوان (1) " قال: سأل الحسين بن مهران أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل ظاهر من أربع نسوة، قال: يكفر لكل واحدة كفارة. وسأله رجل ظاهر من امرأته وجاريته، ما عليه؟ قال: عليه لكل واحدة منهما كفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا " ولعل لفظة " أو " للتقسيم أو للتخيير لما يأتي إن شاء الله تعالى عن قريب من أن كفارة الظهار مرتبة لا مخيرة.
واحتج لابن الجنيد بموثقة غياث بن إبراهيم (2) عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم السلام كما في التهذيب والنهاية " في رجل ظاهر من أربع نسوة، قال: عليه كفارة واحدة " وحمله الشيخ في كتابي الأخبار على أن الوحدة فيه جنسيته ولا ينافي تعددها بالشخص. واحتمل فيها محدث الوسائل الحمل على الانكار وفيه بعد، وربما طعن عليها بضعف سندها بناء على ضعف الموثق وترجيح الحسن عليه، لأن صحيحة حفص حسنة بالاصطلاح الجديد لاشتمالها على إبراهيم بن هاشم، وحيث يطعن علي رواية حفص بالحسن بناء على أنه دون الموثق أو لأن حفص بن البختري قد ضعفه محقق المعتبر في مواضع عديدة ورمى بلعب الشطرنج. يجاب عن ذلك بأن مضمونه موافق للتعليل الموجب للوحدة مع أنه معتضد بالشهرة، وربما بني الخلاف على أن الغالب في الظهار مشابهة الطلاق أو الأيمان، فإن غلبنا مشابهة الطلاق لزمته أربع كفارات ولم يكن يختلف الحال بين أن يظاهر بكلمة أو كلمات كما لو شرك بينهن بالطلاق بكلمة أو كلمات بالاتفاق، وإن غلبنا مشابهة الأيمان كما احتج به الإسكافي لم يجب إلا كفارة واحدة كما لو حلف أن لا يكلم جماعة فكلمهم فليس عليه إلا كفارة واحدة باتفاق، والظهار يمكن رجوعه إلى الأصلين، لكن هذا البناء مهدوم الأساس لعدم ثبوت الظهار إلى شئ من الأصلين المذكورين، وعلى تقدير
صفحة ١٥
الاغماض عن هذا كله فالمناسب إلحاقه بالطلاق لما ثبت أن شرائطه كشرائطه لأنه لا يكون إلا في طهر لم يقربها فيه - كما سمعت - ولا بد من شاهدي عدل يسمعان الطلاق ولا بد من القصد وارتفاع الغضب، وللأخبار الدالة على أنه لا يقع إلا فيما يقع فيه الطلاق، على أنا لو سلمنا حسن خبر حفص ولا ينجبر بالشهرة لكان الترجيح له حاصلا لأن صحيحة صفوان التي سمعتها لا يلحقها شئ من هذه المطاعن فتكون هي الأساس والأصل في الاستدلال، على أنا في راحة من هذا كله لعدم ثبوت هذا الاصطلاح الجديد - كما قررناه غير مرة - فعلى الأشهر من وجوب أربع كفارات، ولو حمل العود في بعضهن دون بعض كان الكفارة بعدد من حصل فيها العود، وعلى القول بوجوب وحدة الكفارة كذلك يكون الحكم لوجوب الكفارة بالعود لواحدة حتى لو طلق ثلاثا وجب الكفارة للرابعة واحتمل شهيد المسالك على هذا أن لا تجب الواحدة لتفريعه على اليمين كما لو حلف أن لا يكلم جماعة فلا تلزمه الكفارة بتكليم بعضهم، ويمكن الفرق بينه وبين اليمين أن كفارة اليمين سببها الحنث والحنث لا يحصل إلا بتكلم الجميع بخلاف الظهار، فإن سبب كفارته الامساك مع المخالفة لقوله والمخالفة تحصل بإمساك واحدة منهن بلا كلام كما تحصل بإمساك الجميع، وإنما قيدنا الخلاف بالمظاهرة بلفظ واحد، لأنه لو ظاهر عنهن بأربعة ألفاظ فإن الكفارة تتعدد بتعدد هن بلا خلاف.
الثالث: لو ظاهر من امرأة واحدة مرارا متعددة ففي تعدد الظهار أقوال، المشهور بين الأصحاب التعدد سواء كان فرق الظهار أو تابعه، اتحدت المشبه بها أم تعددت لأصالة عدم التداخل، وللأخبار المستفيضة.
منها: صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام " قال: سألته عن رجل
صفحة ١٦
ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر، قال: قال علي عليه السلام: مكان كل مرة كفارة ".
وصحيحة الحلبي (1) كما في الفقيه والكافي والتهذيب " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات، قال: يكفر ثلاث مرات " الحديث.
وصحيحة جميل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في من ظاهر من امرأته خمس عشرة مرة، قال: عليه خمسة عشر كفارة ".
وصحيحة محمد بن مسلم (3) الأخرى كما في التهذيب عن أبي جعفر عليه السلام " قال: سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر، فقال عليه السلام: عليه لكل مرة كفارة ".
وخبر محمد بن مسلم (4) كما في الفقيه نحوه.
وموثقة أبي بصير (5) بل صحيحته كما في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام.
ومثله خبر أبي الجارود زياد بن المنذر (6) " قال: سأل أبو الورد أبا جعفر عليه السلام وأنا عنده عن رجل قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي مائة مرة، فقال عليه السلام: يطيق لكل مرة عتق نسمة، قال: فيطيق إطعام ستين مسكينا مائة مرة؟
قال: لا: قال: فيطيق صيام شهرين متتابعين مائة مرة؟ قال: لا، قال: يفرق بينهما ".
وفي المبسوط: إن والى ونوى التأكيد أو أطلق لم يلزمه أكثر من كفارة، وإن
صفحة ١٧
نوى الاستئناف وفرق تعددت، تخلل التكفير أولا. ونفى الخلاف عن الواحدة إذا نوى التأكيد والتعدد إذا فرق وتخلل التكفير، ونحوه ابن حمزة في الوسيلة والعلامة في التحرير صريحا.
وفي الخلاف للشيخ نحوه مفهوما فإنه حكم بالتعدد إذا نوى الاستئناف لكنه لم يفرق فيه بين التوالي والتفريق، ويمكن أن يكون المراد النهاية، فإنه ذكر فيه أنه إذا ظاهر منها مرة بعد أخرى تعددت الكفارة، وعند نية التأكيد لم يظاهر مرة بعد أخرى، وهو ظاهر عبارة القواعد وكثير من عبارت كعبارات النافع والشرايع والجامع لأشعار لفظ التكرار بذلك وذهب ابن الجنيد لقول ثالث مفصل لتعدد المشبه بها كالأم والأخت فتعدد الكفارة واتحادها كالأم فتتحد الكفارة وإن فرق إلا أن يتخلل التكفير فتعدد محتجا على ذلك لأنهما حرمتان هتكهما فيجب لكل واحد كفارة ومع الاتحاد بأنه واحد والكفارة متعلقه على مطلق الظهار وهي تتناول الواحد والكثير، وبصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) عن الصادق عليه السلام " في رجل ظاهر من امرأته أربع مرات في مجلس واحد، قال، عليه كفارة واحد ". وحمله الشيخ على أن ذ المراد كفارة واحدة في الجنس، واحتمل فيها فاضل الوسائل المظاهرة بلفظ واحد كأن يقول: أنت علي كظهر أمي أربعا بخلاف ما لو كرر الصيغة. ثم قال: وأقرب منه الحمل على ما لو كرر الصيغة بقصد تأكيد الظهار الأول لا إنشاء ظهار آخر، فإن القصد والإرادة شرط في الظهار كما مر. ثم قال: ويحتمل الحمل على الانكار وإنما خص التفصيل بالتأكيد وعدمه في المبسوط بالتوالي لأن التأكيد بالمتفرق غير معهود، وابن أبي عقيل وابن إدريس وابن زهرة أطلقوا تكرير كلمة الظهار، وفي المختلف: نفي البأس عما في المبسوط من الفرق بعد أن رجح التعدد، قصد
صفحة ١٨
التأكيد أو لا واستدل للفرق بالأصل والاتحاد مع قصد التأكيد، وعورض الأصل بالاحتياط ومنع الاتحاد، فإن المؤكد غير المؤكد والأقوى ما ذهب إليه المشهور لاطلاق أخباره وصحتها وتعددها، وإمكان حمل خبر ابن الحجاج على التقية.
أو تقييده بالمجلس الواحد اقتصار على مورده، لكنه لا قابلية له لهذا التخصيص.
ويظهر من القيود المنفية في صدر العبارة المنقولة عن الأكثر أمور:
الأول: الرد بقوله " فرق الظهار أو تابعه " الرد على من فصل وفرق من فقهائنا، بين ما لو تابع وفرق فحكم بتعدد الكفارة في الثاني دون الأول. وفي صحيحة ابن الحجاج ما يرشد إليه لأنه حكم بالاتحاد عند اتحاد المجلس، وتلك الأخبار الدالة على تعددها مطلقة فيمكن حملها على اختلاف المجلس جمعا بين الأخبار، وهذا قول موجه بالنسبة إلى دلالة الأخبار عند الجمع بينها لو كانت متكافئة، إلا أن تكافؤها كما ترى غير ثابت، ومع ذلك لم نقف على ذلك القائل من أصحابنا. نعم نقله شيخ المبسوط عن بعضهم، ومقتضى طريقته في ذلك الكتاب نقل أقوال العامة في مقابلة أقوالنا سيما إذا لم يصرح بقائله قد يكون هذا القول لنا.
والثاني: إطلاق القول بتعدد الكفارة في كلام أولئك يقتضي عدم الفرق بين ما إذا قصد بالثاني وما بعده التأكيد للأول وما إذا قصد الظهار أو أطلق كما هو الظاهر والمتبادر. وقد سمعت ما قلناه عن المختلف مما أجاب به عن حجة الشيخ باتحاد الظهار مع إرادة التأكيد، حيث قال: ونمنع الوحدة فإن التأكيد غير المؤكد والمطلق موجود في كل فرد وهو يستلزم تعدد المعلول بحسب تعدد العلة. لكنه جزم بعده بعدم وجوبها كما لو قصد التأكيد كما سمعت.
وبالجملة: أن كلام العلامة وكلام الشيخ لا يخلو عن اضطراب واختلاف بالنسبة إلى تخلف هذه القيود، لكن الأخبار ليس سوى المطلق منها المنطبق على المذهب المشهور ولا معارض لها سوى ما سمعت من صحيحة ابن الحجاج،
صفحة ١٩
فهي إنما تخالفها في صورة واحدة وهي عند اتحاد المجلس وهي ضعيفة عن المقاومة ومحتملة للتقية كما هو قديم قول الشافعية.
الثالث: قولهم " بما إذا لم يتخلل التكفير " فيه إشارة إلى أنه لو كفر عن السابق ثم جدد الظهار فلا شبهة في وجوب الكفارة به فيكون موضع الخلاف مخصوصا بذلك، فيظهر بذلك وجه المخالفة بينه وبين من أطلق، والأخبار لا تساعد على هذا التقييد بل شاملة لمن كفر ومن لم يكفر.
وأما توجيهه بأن حكم الأول قد يسقط بالتكفير فلا يتوجه الاجتزاء بتلك الكفارة عن الظهار المتأخر عنها مع أنه سبب قام في إيجابها مع العود، والكفارة المتقدمة على سبب الوجوب لا تجزي قطعا، فلا يكون من معرض الخلاف في شئ مدفوع بالدليل المقرر للقول بالوحدة المؤيد بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، لكنك قد عرفت في هذه التعاليل مما لا يشفي العليل ولا يبرد الغليل.
الرابع: قد عرفت مما سبق أن الظهار قابل للتعليق على شرط وللاطلاق وإذا أطلق حرم عليه الوطء حتى يكفر بالنصوص والاجماع وظاهر الكتاب، ولو علقه بشرط جاز الوطء ما لم يحصل الشرط، فلو وطأ قبله لم يكفر، ولو كان الوطء هو الشرط ثبت الظهار بعد فعله ولا تستقر الكفارة حتى يعود، هذا هو المشهور، وقال الشيخ - رحمه الله - في النهاية والصدوق في الفقيه والمقنع والهداية:
يجب بنفس الوطء الأول بناء على كون الاستمرار وطئا ثانيا. وليس بجيد، لأنه متحد وإن طال الزمان، مع أنه لا يكون مظاهرا إلا بهذا الوطء، وعلى هذا فإنما يبيح عندهم مسماه وتجب الكفارة على قولهم ولو بالنزع بعد المسمى بل هو من أضعف الضعيف، فإن الوطء أمر واحد عرفا من ابتدائه إلى النزع كما سمعت، والاطلاق منزل عليه، والمشروط عدم عند عدم شرطه. نعم لو نزع كاملا ثم عاد وجبت الكفارة وإن كان في حالة واحدة. وأما الأخبار الدالة عليه
صفحة ٢٠
فقد تقدم شطر منها.
فمنها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: الظهار ضربان أحدهما فيه الكفارة قبل المواقعة و الآخر بعده، فالذي يكفر قبل المواقعة الذي يقول: أنت علي كظهر أمي ولا يقول: إن فعلت بك كذا وكذا، والذي يكفر بعد المواقعة الذي يقول: أنت علي كظهر أمي إن قاربتك ".
ومثلها صحيحته (2) الأخرى كما في التهذيب.
وصحيحته زرارة (3) كما في الكافي " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ظاهر ثم واقع قبل أن يكفر، فقال لي: أوليس هكذا يفعل الفقيه ".
وموثقة عبد الرحمن بن الحجاج (4) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " قال:
إن كان منه ظهار في غير يمين فإنما عليه الكفارة بعد ما يواقع ".
وصحيحة ابن الحجاج (5) أيضا: قال: الظهار على ضربين في أحدهما الكفارة إذ قال: أنت علي كظهر أمي ولا يقول: أنت علي كظهر أمي إن قاربتك ".
وخبر زرارة (6) " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إني ظاهرت من أم ولدي ثم وقعت عليها ثم كفرت، فقال، هكذا يصنع الفقيه إذا وقع كفر ".
وصحيحة حريز (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: الظهار ظهاران أحدهما أن
صفحة ٢١
يقول: أنت علي كظهر أمي ثم يسكت فذلك الذي يكفر، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ففعل فعليه الكفارة حين يحنث ".
ومرسلة ابن بكير (2) " قال، قلت لأبي الحسن عليه السلام: إني قلت لامرأتي:
أنت علي كظهر أمي إن خرجت من باب الحجرة، فخرجت، قال: ليس عليك قويت أم لم تقو ".
وصحيحة محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: الظهار لا يقع إلا على الحنث فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتى يكفر ".
فهذه الأخبار وإن أطلق بعضها في نفي الكفارة، لكنه يجب رده وحمله على ما لو علق الظهار على الوقاع كما فعله شيخ التهذيبين ويرشد إليه قوله في كثير منها " أوليس هذا يفعل الفقيه " بمعنى أن الفقيه هو الذي يعلق ظهاره على الجماع فلا تجب عليه الكفارة بمجرد جماعه الأول وإنما يجب بالعزم على المعاودة بعد جماعة الأول. وقد دلت صحيحة محمد بن مسلم وغيرها على أن الظهار لا يقع إلا على الحنث، وذلك لا يكون إلا إذا علق على شئ ووقع ذلك الشئ، فهناك ليس له أن يواقع حتى يكفر، وقد كشف عن ذلك كله مجموع تلك الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض، وأما حمل هذه الأخبار على بطلان الظهار بكونه معلقا على شرط فانتفاء الكفارة لانتفاء انعقاده فيرده ما فصلته صحاح عبد الرحمن بن الحجاج وقولهم في الأخبار المطلقة " أوليس هكذا يفعل الفقيه ".
وبالجملة أنه لا مستند لكلام الصدوق والشيخ في إيجاب الكفارة في المعلق
صفحة ٢٢
على الجماع بمجرد جماعه الأول كما تلوناه عليك سوى إجمال بعضها، وهو مردود إلى المفصل المحكم، وهذا هو الذي تقتضيه القواعد العامة. ثم إنه يتفرع على هذا الحكم أمور:
منها: ما لو علقه بفعل مثل دخول دار وتكلم زيد فإنه يقع بعد الدخول والتكليم سواء طال زمانه أم قصر ولا يقع قبله اتفاقا كما عرفت من الفتوى والأدلة أما لو علقه بنفي فعله كقوله: إن لم تدخل الدار لم يقع إلا عند اليأس من الدخول كأن مات أحدهما قبله فيحكم بوقوعه قبيل الموت، ومن هذا الباب ما لو قال: إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي، فإنها تصير مظاهرا عند اليأس وذلك بالموت فيتبين أنه قبيل الموت صار مظاهرا ولا كفارة عليه لعدم العود بعده لأن الموت عقيب صيرورته مظاهرا، ولو علق النفي ب " إذا " كقوله: إذا لم تدخلي وقع عند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل من وقت التعليق فلم يفعل، والفرق بين الأداتين أن حرف الشرط لا إشعار له بالزمان، و (إذا) ظرف زمان كمتى في التناول للأوقات، فإذا قيل: متى ألقاك صح أن يقال: متى شئت أو إذا شئت، فلا يصح: إن شئت، فقوله " إن لم تدخلي الدار " معناه إن فاتك دخولها وفواته بالموت، وقوله " إذا لم تدخلي الدار " معناه أي وقت فاتك الدخول فيقع الظهار بمضي زمان يمكن فيه الدخول به.
ومنها: ما لو علقه بالحمل فقال: إن كنت حاملا فأنت كظهر أمي، فإن كان بها حمل ظاهر وقع في الحال، وإلا فإن ولدت لدون ستة أشهر من التعليق بأن وقوعه حين التعليق لوجود الحمل حينئذ وإن ولدت لأكثر من أقصى مدة الحمل أو بينهما أو وطئت بعد التعليق وأمكن حدوثه به بأن كان بين الوطء والوضع ستة أشهر فأكثر لم يقع لتبين انتفاء الحمل في الأول واحتمال حدوثه بعد التعليق في الثاني وإن لم يطأها بعد التعليق بحيث يمكن حدوثه به، ففي وقوعه وجهان من احتمال حدوثه بغير الوطء كاستدخال المني والأصل عدم
صفحة ٢٣
تقدمه، ومن أن ذلك نادر والظاهر وجوده عند التعليق، وهذا هو ا لأقوى.
ومنها: ما لو علقه بالحيض فقال: إن حضت حيضة فأنت علي كظهر أمي لم يقع حتى ينقضي حيض تام. ولو قال: إن حضت واقتصر وقع إذا رأت دما محكوما بكونه حيضا، فإن كان معتادة ورأت في عادتها وقع برؤية الدم وإلا فبمضي ثلاثة أيام على المشهور، وعلى القول بتحيضها برؤية الدم كما هو المختار يقع كذلك، ويحتمل توقفه على ثلاثة مطلقا إذ به يتحقق أنه ليس بدم فساد والفرق بينه وبين العبادة والتحريم عليه أن الظهار لا يقع إلا بيقين، وأحكام الحيض مبنية على الظاهر، ولهذا تقضي العبادة التي تركتها لو نقصت عن الثلاثة ولو في ضمن عشرة، ولو قال لها ذلك وهي حائض لم يقع إلا بحيضة مستأنفة، ومهما قالت حضت فالقول قولها بخلاف ما لو علقها على دخول الدار فقالت دخلتها فإنه يحتاج إلى البينة، والفرق عسر إقامة البينة على الحيض. وغاية اطلاع غيرها مشاهدة الدم وذلك لا يعرف إذا لم تعرف عادتها، وقد تقدم في الطلاق ما يدل من النصوص والفتوى أن العدة والحيض للنساء. ومثله ما لو قال: إن أضمرت بغضي فأنت علي كظهر أمي، لعسر الاطلاع عليه من غير قولها بخلاف الأفعال الظاهرة.
ومنها: ما لو تعدد الشرط كقوله: إن دخلت دار زيد أو كلمت عمرا فأنت علي كظهر أمي وقع بأي واحد من الشرطين وجد، ثم لا يقع بالآخر شئ لأنه ظهار واحد، وكذا لو قدم الجزاء عليهما، وكذا إن قال: إن دخلت الدار وكلمت زيدا أو قال: أن دخلت هذه الدار وإن دخلت الأخرى فأنت كظهر أمي. أما لو قال: إن دخلت هذه الدار فأنت كظهر أمي وإن دخلت الأخرى فأنت كظهر أمي وقع الظهاران لتعدد الشرط والجزاء، ولو قال: إن دخلت الدار وكلمت زيدا فلا بد من وجودهما معا لوقوعه، ولا فرق أن يتقدم الكلام أو يتأخر لأن الواو لمطلق الجمع على أصح القولين، والفروع بهذا المعنى كثيرة مما يطول بها الاملاء،
صفحة ٢٤
وعند مراجعة القواعد المقررة في الأصول والعربية تستخرج أحكام المعلق من الظهار على التفصيل، وليس هذا التفريع من الاجتهادات المنهي عنها في الأخبار لأنها مأخوذة من الصحاح الناطقة " إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا عليها " كما في صحيحة البزنطي (1) وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (2)، وحيث قد ثبت التعليق في الظهار كان مترتبا على ما علق عليه كائنا ما كان.
الخامس: قد ثبت مما سبق في الدليل والفتوى أن الظهار حيث تستكمل شرائطه يحرم الوطء على المظاهر ما لم يكفر سواء كفر بالعتق أو الصيام أو الاطعام، أما تحريم الوطء قبل العتق والصيام فموضع وفاق بين المسلمين لقوله تعالى " فتحرير رقبة من قبل) ثم قال " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا " (3) وأما تحريمه قبل الاطعام على تقدير عجزه عن الأولين فعليه الأكثر منا ومن الجمهور لأن الله تعالى جعله بدلا عنهما، وللأخبار النبوية وغيرها من الخاصية والعامية.
فمنها: صحيحة زرارة كما في الكافي عن غير واحد عن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا واقع المرة الثانية قبل أن يكفر فعليه كفارة أخرى ".
وصحيحة الحلبي (5) كما رواه المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال " فإن واقع - يعني المظاهر - قبل أن يكفر قال: يستغفر الله ويمسك حتى يكفر ".
وصحيحة الحلبي (6) الأخرى كما في التهذيب وقد تقدمت " قال: سألت
صفحة ٢٥
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها، قال:
ليس عليه كفارة، قلت: فإن أراد أن يمسها؟ قال: لا يسمها حتى يكفر، قلت: فإن فعل فعليه شئ؟ قال: إي والله إنه لآثم ظالم، قلت: عليه كفارة غير الأولى؟ قال: نعم يعتق أيضا رقبة ".
وصحيحة حفص بن البختري عن أبي بصير (1) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
متى تجب الكفارة على المظاهر؟ قال: إذا أراد أن يواقع، قال: قلت: فإن واقع قبل أن يكفر؟ قال: فقال: عليه كفارة أخرى ".
وصحيحة ابن مسكان عن الحسن الصيقل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت له: رجل ظاهر من امرأته فلم يف، قال : عليه كفارة من قبل أن يتماسا، قلت:
فإنه أتاها قبل أن يكفر، قال: بئس ما صنع، قلت: عليه شئ؟ قال: أساء وظلم، قلت: فيلزمه شئ؟ قال: رقبة أيضا ".
وقال ابن الجنيد منا وبعض العامة: أنه إذا انتقل فرضه إلى الاطعام لم يحرم الوطء قبله لأن الله تعالى شرط في العتق والصيام أن يكون قبل العود ولم يشترط ذلك في الاطعام. ويرده ما ذكرناه من ثبوت البدلية في الاطعام عنها وإطلاق هذه الأدلة.
وربما احتج لابن الجنيد بخبر زرارة (3) المروي من الصحيح وغيره كما سبق عن قريب حيث قال " إني ظاهرت من أم ولدي ثم وقعت عليها ثم كفرت قال: هكذا يصنع الرجل الفقيه إذ وقع كفر " وقال في حسنته (4) " رجل ظاهر
صفحة ٢٦