تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

أنتونيا فيرينباخ ت. 1450 هجري
88

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

تصانيف

لم تحر فاندا جوابا. •••

وفعلا في عصر يوم الجمعة كانت تجلس مع أندرياس في القطار السريع المتجه إلى ميونيخ. كان لا يزال الغضب ظاهرا عليه، مرت ثلاثة أسابيع منذ لقائهم الأخير. وكانت فاندا قد انسلت بهدوء وسرية من شقته ذاك المساء بعد أن وجدت قائمة الأسماء، ومؤخرا حدثها على الهاتف بكلمات مقتضبة. كانت فاندا تريد أن تعرف المزيد عن موت والده. لماذا إذن أراد أن يشترك في هذه العملية بميونيخ؟ هذا ما ظل لغزا عليها، لا بد أن فكرة سنايدر في البحث عن جزيئات نانو لدى هيلبيرج قد أقنعته، بخلاف ذلك لم تستطع أن تقتنع أنه يصاحبهم في هذه الرحلة بلا تحفظات. أما مسألة شركة بي آي تي فقد احتفظت بها فاندا لنفسها؛ إذ لم يكن أندرياس ضمن فريق التحريات.

بدءا من مدينة شتوتجارت جلسا بمفردهما في المقصورة.

قالت وكأنها تعتذر: «سيتعين علي أن آخذ بعض العينات من مخه.» أدار أندرياس رأسه نحو النافذة ولم يجبها، زفرت فاندا بصوت خفيض، وفكرت: لا أستطيع أن ألومه. الخطة جيدة، لكن هذا هو كل ما في الأمر. لا يزال الشق الأيسر من مخ هيلبيرج محفوظا في الفورمالين في ثلاجة عيادة قسم الأمراض، عرفوا ذلك من رايموند - ذاك الشخص من معارف أندرياس القدامى أيام دراسته للطب - وهو أمر مستغرب أن لا يزال محفوظا هكذا رغم مرور ستة أشهر كاملة. في الحالات العادية يتم تشريح العضو بأكمله. جال ببال فاندا أن ذاك أفضل بالنسبة لنا لو أعماهم عنه النسيان. كانت تقلب صفحات أطلس التشريح في حجرها. هل سأتعرف أصلا على بنيته؟ كانت مناطق النظام اللمبي التي أرادت أن تأخذ منها العينات ملونة على الرسم. فذكرتها بالصور الملونة التي توضع في كتب رسوم الأطفال ليلونوها، وكذلك كان ملونا ومنظما وسهل التفكيك ذاك النموذج الصناعي للمخ البشري الذي أحضره لها يوهانيس ليريها عليه كيف يمكن أن تستخرج أجزاء صغيرة من الوطاء (تحت المهاد)، وأخرى من القنوات الشمية من أسفل عبر الفص الصدغي، ثم الحصين؛ إذ يخمن سنايدر وجود جزيئات النانو في تلك المناطق. وهو يتكهن أيضا أن جزيئات النانو التي تم رشها من الطائرة لا بد وأنها تسللت عبر فتحة جهاز التكييف إلى داخل الحافلة، وقام الركاب باستنشاقها. شعرت فاندا بالبرودة تسري في أوصالها، فالراجح أنهم كانوا يجلسون مثلهم مثل أرانب التجارب في ذلك القفص المتحرك، وحسبما يقول سنايدر فإن الكوكتيل الذي تم رشه في نيو مكسيكو تضمن مادة «إن بي 2701»، وهي التي أعطتها له معامل إدارة السلاح الأمريكية لمقارنتها بالتحاليل الأخرى، وهي أيضا المادة الموجودة آثارها في نانوسنيف، وكان عليه أن يعد الأمريكيين بإعطائهم إيضاحات غير منقوصة حول النتائج. لقد كان لدى سنايدر من الذكاء ما يكفي ليعرف أن ذراع سلطات دولة الجوار كانت ستطول بالدرجة التي تمكنها من مصادرة العينات برمتها، لو لم يوافق على اتفاق التعاون مع الأمريكيين. كان رفضه ليودي به وراء الشمس منذ مدة طويلة. ومن جانبه كان قد تعمق في المشروع بدرجة يصعب معها المجازفة بعدم معرفة المزيد عن «إن بي 2701». كانت وجهة نظر سنايدر هي أن جزيئات النانو وصلت إلى دماغ هيلبيرج عن طريق قنواته الشمية، وأحدثت التأثير الضار الذي أحدثه نانوسنيف في الفئران بمعامل ماربورج، وكان سنايدر يستند في فرضياته إلى الأعراض العصبية مثل الرعشة واضطراب الحركة التي لوحظت على هيلبيرج وعلى حيوانات التجارب على حد سواء. فرضية تتسم بمزيد من الجرأة برأي فاندا، في حين ثبت أن جميع تحاليل عينات التربة المستجلبة من نيو مكسيكو في غاية الصعوبة. لقد كانوا يتلمسون طريقهم في الظلام. ربما كان السبب يرجع لبعد المسافة الزمنية. ثم ألا تصاغ الفرضيات من أجل دحضها؟ وهذا تحديدا ما ستقوم هي به.

كلفها يوهانيس أن تنتبه لعلامات النخر والضمور. رائع. أنا أصلا لا أعرف الشكل في الحالة الطبيعية الأصلية، وكان الأفضل أن تطلب من زميلها أن يرافقها، لكنه أفهمها أن الأراضي الغريبة مناطق محرمة عليه، لكنه سيؤازرها عبر الهاتف، فأخذت معها السماعات في حقيبة الظهر.

لا يزال أندرياس ينظر من نافذة المقصورة: «ماذا تعرفين عن هذه الجزيئات؟» يبدو أنه وجد لغة للحديث من جديد. «هي بلورات دقيقة تبدو تحت المجهر الإلكتروني ذات زغب رقيق مهوش يحيط بها من كل الاتجاهات. ثمة فيروسات تكاد تتخذ نفس الشكل تماما.» «وكيف تعرفون أنها ليست فيروسات؟» «سؤال وجيه. لأن معظم الفيريونات مكعبة.» «فيريونات؟» «هذا هو جسم الفيروس، إنه الهيكل الذي تجده عندما تقوم بإعادة بناء ثلاثي الأبعاد بمساعدة تحليل الأشعة السينية. جزيئاتنا تتكون من عشرين مثلثا متساوية الوجوه؛ لذلك اسمه عشروني الوجوه المنتظم.» «جسم أفلاطوني.» «ماذا؟» «سيان. كيف تكونين متأكدة تماما أنه ليس فيروسا؟» «قشرتها، لا علي أن أقول قفيصتها. هذه القشرة المكعبة هي في الحقيقة تقليد مثالي لفيروس شلل الأطفال بقطر يصل إلى عشرين نانومترا إلا قليلا، وهو فارغ من الداخل.»

قطب أندرياس جبينه.

أوضحت فاندا: «إنها لا تحمل الجينوم . من الممكن القول إنها فيروس شلل الأطفال بلا دماغ.» ثم هزت كتفيها وأكملت «أو بلا روح؟»

إنهم يعرفون منذ الأمس، فقد أرسل سنايدر نتائج تحاليل الجزيئات الحيوية. لنقل إن «إن بي 2701» ما هو إلا سرقة علمية. لقد نجح العلماء في معامل مصانع الأسلحة في الولايات المتحدة عمليا في تقليد بنية فيروس شلل الأطفال في أنبوب الاختبار، وقاموا بذلك بنفس البديهية التي يقوم بها الصينيون بتقليد السيارات الغربية، ولكن على خلاف الصينيين كان يمكنهم الحصول على براءات اختراع على منتجهم المقلد. وقامت شركة بي آي تي بإدخال بضعة رتوش عليه وزودته ب «جين»، لكنها لم تشأ أن تخبر أندرياس بذلك؛ إذ كان عليها أن تستوضح الأمر مع نفسها أولا حول معنى هذه المعلومات الجديدة بالنسبة لها.

حين وصلا محطة آشافينبورج دخل مقصورتهما زوجان شابان، فيما حاولت سيدة بدينة وراءهما أن تشق طريقها بأمتعتها الثقيلة. عرض أندرياس عليها المساعدة، لكنها أصرت أن تترك الحقيبة الكبيرة في الممر، وحين تحرك القطار ربطت منديلا حول رأسها. تناثرت رائحة ماء كولونيا في الهواء وغثت نفس فاندا التي كانت تتنفس بصعوبة. لم تكن الرائحة أفضل في الحمام، كانت فقط مختلفة. لم يكن ثمة مفر؛ فقد كان القطار محجوزا بالكامل بعد ظهيرة يوم الجمعة. •••

صفحة غير معروفة