قلنا: وكذلك لا يجوز أن يكون من خبرنا عن نبينا محمد عليه السلام أنه فعل كذا، أو جاء بكذا، وأخبر عن كذا؛ أن يكونوا كذبوا؛ لاختلاف أجناسهم، وبعد هممهم.
فإن كان السائل يهوديا فارجع عليه؛ فقل: بما صح عندك نبوة موسى؟ فإنه يقول: بالإعلام التي جاء بها، التي تعجز الخلائق عن مثلها.
قيل له: وبما علمت أنه جاء بالأعلام؟ فإن قال: بأخبار من خالفنا، فلما أن اجمعتم معنا والنصارى معكم مع خلافكم لنا؛ علمنا أن مقالنا كما قلنا، وأن خبرنا حق.
قلنا له: فأخبرنا عن أسلافكم الذين كانوا قبل أن تكونوا، إذ كانت النصارى لم تصح لكم نبوة موسى.
فإن قال: بلى.
قيل: ولم وبما، وليس هناك مسلمون ولا نصارى يجمعون معك، وزعمت أنه لا يصح الخبر إلا بإجماع من خالفك بعد؛ فلو آمن الناس كلهم بموسى وصاروا على دينك بطلت نبوة موسى، إذ زعمت أن الأخبار لا تصح إلا بالمخالفين. فبهذه وللنصارى مثلها على اليهود فافهمها.
ومن دلالته صلى الله عليه وعلى أهل بيته وعلامته هذا القرآن، لا يقدر أحد أن يدعيه، ولا أنه جاء به أحد غيره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قد أعجز أهل دهره من الفصحاء والبلغاء، فلم يقدر إلى يومنا هذا كل الخلق أن يأتوا بمثله، أو بسورة منه، ليس يشبه(1) الشعر، ولا الرجز، ولا الخطب، بآئن من كلام المخلوقين، وفيه أخبار الأولين والآخرين، وبعثه صلى الله عليه والعرب متوافرة، ليس فخرهم إلا الشعر والبلاغة والخطب، فتحداهم بأجمعهم من أن يأتوا بسورة من مثله، عجزوا(2) وأقروا بالعجز، فعلمنا إذ عجزوا أن يأتوا بمثله وهو بلغتهم أن غيرهم أعجز، وعلم أهل النهى إذ عجز الخلائق عن مثله أنه من عند أحكم الحاكمين، وأنزله على رسوله صلى الله عليه نورا وهدى للعالمين.
صفحة ٥٧٤