تأليف
غوستاف لوبون
ترجمة
عادل زعيتر
مقدمة المترجم
يسيح الفيلسوف الاجتماعي غوستاف لوبون في الأرض كثيرا فيضع في سنة 1884 كتابه الخالد «حضارة العرب»، ويضع في سنة 1887 كتابه الخالد «حضارات الهند»، وفي سنة 1889 يعززهما بثالث ، يعززهما بكتاب «الحضارات الأولى»، ونترجم السفرين الأولين اللذين هما أهم من السفر الثالث، ومن السفر الثالث هذا ننقل إلى العربية الجزء الخاص باليهود، وهو أطرف أجزائه.
وفي تأليف تلك الكتب يعتمد لوبون على ما لاحظ في رحلاته وترصد، ومن تلك الكتب، على الخصوص، يستنبط ما بدا له من سنن الاجتماع فيضع في سنة 1894 كتاب «السنن النفسية لتطور الأمم»، ويضع في سنة 1895 كتاب «روح الجماعات»، وفي كلا الكتابين يتحرر لوبون من جميع المذاهب الاجتماعية فينتهي إلى نتائج مخالفة لما ألفه العلماء من المبادئ والآراء، فيعد، بحق، مجددا في علم النفس وعلم الاجتماع، إماما موجها فيهما.
وعالج لوبون جميع الموضوعات التي تناولها بالبحث في كتبه ببراعة ودقة فوصل إلى حقائق رائعة، وامتاز لوبون في ذلك بمعرفته للإنسان وتعبيره عما يوحي به العقل والذوق السليم من المناحي، وظهر لوبون في كل ما كتب عبقريا مبتكرا حر الفكر مستقلا لبقا إلى الغاية؛ ولذلك كان من الصواب أن قيل: «لا جدال في أن لوبون أعظم عالم نفسي فرنسي في الزمن الحاضر بما تذرع به من صبر، وما اتفق له من بصيرة نفذ بها روح العصر».
وفي كتاب «السنن النفسية لتطور الأمم» بحث لوبون في صفات العروق النفسية وتغير أخلاقها ومراتبها، وفي تفاوت الأفراد والعروق، وفي تكوين العروق التاريخية، وفي كون عناصر الحضارة مظهرا خارجيا لروح الأمة، وفي تحول النظم والمعتقدات والفنون، وفي تأثير المبادئ في حياة الأمم، وفي تأثير الديانات في تطور الحضارات، وفي شأن العظماء في تاريخ الأمم، وفي ذوي الحضارات وانطفائها.
ويغدو مبدأ تساوي الأفراد والعروق الذي بشر به فلاسفة القرن الثامن عشر من العقائد الثابتة لدى أكثر شعوب أوربة على الخصوص، ويبلغ هذا المبدأ من النفوذ والتأثير في هذه الشعوب ما قلب به العالم الغربي رأسا على عقب، وعلى هذا المبدأ تقوم نظريات الاشتراكية، وعلى ما دل عليه العلم الحديث من وهن في ذلك المبدأ لم يجرؤ أحد على مناهضته سوى قليل من العلماء، ولاح لوبون على رأس هؤلاء؛ فبين في كتابه «السنن النفسية لتطور الأمم» أن الحضارات كلما تقدمت تفاوتت الشعوب والأفراد، وأن البشرية تسير إلى التفاوت لا إلى المساواة، ومما وجده لوبون أن العروق تختلف فيما بينها بما تشتمل عليه من صفوة الرجال، وأن الحضارات تؤدي إلى تفاوت الأفراد بالتدريج من الناحية الذهنية، وأن الأمم كلما تقدمت في ميدان الحضارة تفاوت الجنسان فيها بنسبة هذا التقدم.
صفحة غير معروفة