تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية من خلال كتابي إيضاح المسالك وشرح المنهج المنتخب

الناشر

دار البحوث للدراسات الاسلامية وإحياء التراث

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٣ هجري

مكان النشر

دبي

دولة الإمارات العربية المتحدة

دَارُ البُحُوثِ لِلدِّرَاسَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ وَإِحْيَاءِ التُّرَاثِ

دبي

سِلْسِلَةُ الدِّرَاسَاتِ الأُصُولِيَّةِ

(٧)

تَطْبِيقَاتُ قَوَاعِدِ الفِقْه

عِنْدَ المَالِكِيَّة

مِنْ خِلَالِ كِتَابِي

"إيضاح المسالك" للونشريسي

وَشَرْحِ المنهج المنتخب للمنجور

إعْدَاد

أ.د. الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

1

تطبيقات قواعد الفقه

عند المالكية

2

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولى

١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م

دَارُ البُحُوثِ للدِّرَاسَاتِ الإسلاميّة وَإحياء التراث

الإمارات العربية المتحدة- دبي- هاتف: ٣٤٥٦٨٠٨، فاكس: ٣٤٥٣٢٩٩، ص.ب: ٢٥١٧١

الموقع: www.bhothdxb.org.ae

البريد الإلكتروني: irhdubai@bhothdxb.org.ae

3

دولة الإمارات العربية المتحدة

سِلْسِلَةُ الدِّرَاسَاتِ الأُصُولِيَّةِ

(٧)

تَطْبِيقَاتُ قَوَاعِدِ الفِقْه

عِنْدَ المَالِكِيَّة

مِنْ خِلَالِ كِتَابِي

"إيضاح المسالك" للونشريسي

وَشَرْحِ المنهج المنتخب للمنجور

إعْدَاد

أ.د. الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

دَارُ البُحُوثِ لِلدِّرَاسَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ وَإِحْيَاءِ التُّرَاثِ

4

بسم الله الرحمن الرحيم

7

الافتتاحية

نستفتح بالذي هو خير، حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على حبيبه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

إن أهمية القواعد الفقهية تكمن في حاجة المفتي والقاضي والحاكم لها، فمن استوعبها فقد أحاط بالفقه كله، وقد اعتنى العلماء به قديماً وحديثاً ومن بينهم علماء السادة المالكية.

وفي هذا التوجه، يسر دار البحوث أن تتقدم لقرائها الكرام ضمن سلسلة الدراسات الأصولية بكتاب جديد موسوم بـ((تطبيقات القواعد الفقهية عند المالكية من خلال كتابي إيضاح المسالك للونشريسي، وشرح المنهج المنتخب للمنجور))، وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه:

أولاً: إضافة جديدة في المكتبة الإسلامية التي هي بحاجة لمثل هذه الدراسات الخاصة برد المسائل إلى أصولها التي تجمعها لاتحاد أسبابها والمصالح المترتبة عليها.

ثانياً: أنه جمع بين مصدرين أساسيين من مصادر المالكية في هذا الفن وهما:

  1. كتاب إيضاح المسالك للونشريسي ورغم صغر حجمه فقد ضم قرابة ألف مسألة فقهية إن لم تزد مع التوسع في التطبيقات.

  2. كتاب شرح المنهج للمنجور وهو يمتاز أيضاً بكثرة مسائله التي زادت عن الألف، وعن مائة وثمانين قاعدة فقهية.

وهذا التقديم مقرون بالشكر والعرفان لأسرة ((آل مكتوم)) حفظها الله، التي ترعى العلم، وتشيّد نهضته، وتحيي تراثه، وتؤازر قضايا العروبة والإسلام، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ مكتوم بن راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الذي أنشأ هذه الدار لتكون منار خير، ومنبر حق على درب العلم والمعرفة، تجدد ما اندثر من تراث هذه الأمة، وتبرز محاسن

5

الإسلام ، فيما سطره الأوائل وفيما يمتد من ثماره ، مما تجود به القرائح، في شتى مجالات البحوث الإسلامية ، والدراسات الجادة ، التي تعالج قضايا العصر، وتؤصل أسس المعرفة ، على مفاهيم الإسلام السمحة عقيدة وشريعة، وآداباً وأخلاقاً، ومناهج حياة ، مستلهمة الأدب القرآني ، في الدعوة إلى الله على بصيرة ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ .

وكذلك مؤازرة سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم ، نائب حاكم دبي ، وزير المالية والصناعة ، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، ولي عهد دبي ، وزير الدفاع .

سائلين الله العون والسداد ، والهداية والتوفيق .

ولا يفوت الدار أن تشكر من أسهم في خدمة هذا العمل العلمي من العاملين بالدار ، وهم :

  1. باحث : الشيخ محمد بن عيادة الكبيسي ، الذي قام بتصحيح تجارب تنضيد الكتاب ، وبالتدقيق على الجوانب الفنية للإخراج .

  2. مساعد باحث : الشيخ محمد بن عبد الله التمين ، الذي شارك في تصحيح تجارب تنضيد الكتاب .

ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعين على السير في هذا الدرب ، وأن يتواصل العطاء من حسن إلى أحسن .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

دار البحوث

6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

أحمد الله تعالى وأثني عليه حمداً يليق بجلاله، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد ﷺ خير خلق الله، سيد الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.

وبعد:

فهذا كتاب توضيح وبيانٍ لتطبيقات الفروع الفقهية في كتابين من أهم كتب قواعد الفقه عند المالكية، وهما:

أولاً : كتاب ((إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك)) لمؤلفه أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى (٩١٤ هـ)، الذي كنت قد اشتغلت بتحقيقه في المدة ما بين (١٩٧٩م) و (١٩٨١م)، وعندما كنت حينها على وشك طبع الكتاب علمت أنه قد صدرت طبعته الأولى في الرباط عام (١٩٨٠م) بتحقيق الأخ الكريم أحمد بو طاهر الخطابي، فكتبت إليه وأرسل إلي مشكوراً نسخة منه، فوجدتها محققة تحقيقاً علمياً يفي بالغرض، فلم أر ضرورة في ذلك الوقت لإصداره في نشرة أخرى، وبعد مضي عشر سنين على صدور طبعة الرباط دعت الحاجة إلى وجود الكتاب، فنشرته في ليبيا مرتين.

والكتاب الثاني : هو ((شرح المنهج المنتخب)) لمؤلفه أحمد بن علي المنجور المتوفى (٩٧٥ هـ) على قواعد مذهب الإمام مالك، التي جمعها نظما مؤلفها

7

أبو الحسن على بن قاسم التجيبي المعروف بالزقاق المتوفى (٩١٢ هـ)

والشرح المذكور مطبوع طبعة حجرية بفاس، وقام بتحقيقه محمد الشيخ محمد الأمين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ونشرته دار عبد الله الشنقيطي بالقاهرة، واختصر ((شرح المنهج المنتخب)) أبو القاسم بن محمد بن أحمد التواتي من علماء ليبيا المعاصرين في كتاب، سماه ((الإسعاف بالطلب)) وطبع المختصر مرتين، أخراهما نشرته دار الحكمة بطرابلس، بتحقيق د./حمزة أبو فارس وعبد المطلب قنباشة، ولهذا الاختصار فضل كبير في جعل الكتاب متداولاً بين أهل العلم، لعدم توفر الأصل وانتشاره، و ((شرح المنهج المنتخب)) يعتمد اعتماداً كبيراً على سابقه ((إيضاح المسالك)) فقد تناول جميع القواعد التي ذكرها ((إيضاح المسالك)) بلفظها تقريباً، وأكثره مأخوذ من المقري في قواعده، وفيه زيادة قواعد وضوابط فقهية على ما في ((إيضاح المسالك))، لكنها ليست كثيرة.

وبعد أن صارت القواعد الفقهية في السنوات الأخيرة مادة مقررة على طلبة الدراسات العليا، تبين أن الكتابين؛ ((إيضاح المسالك))، و ((شرح المنهج المنتخب)) لا يغني مجرد تحقيقهما كبير فائدة، وأحس الطلبة وأهل العلم بالحاجة الماسة - أكثر من ذي قبل - إلى فك رموزهما، وحل ألفاظهما، فالكتابان من الصعوبة بمكان، يقومان على الاختصار الشديد، والإشارة العابرة بالكلمة الواحدة، إلى مسألة تحتاج إلى تأمل ونظر لو ذكرت مفصلة، فكيف وقد اختزلت اختزالاً.

قمت في هذه التطبيقات بتوضيح القاعدة، وذكر الألفاظ المشابهة لها، والاستدلال عليها، ثم تصوير المسائل المندرجة تحتها بتوضيحها، وعزوها إلى مصدر أو أكثر من المصادر التي ذكرتها، وقد وجدت نفسي مضطراً في

8

الهوامش إلى الرجوع إلى طبعتي ((شرح المنهج المنتخب)) معاً، ط فاس، والطبعة المحققة، وذلك لعدم توفر الطبعة المحققة لدي كلما أردت، والذي يميز الطبعة المحققة عن الأخرى عند ذكرهما في الهوامش أن رقم الصفحة المشار إليها مع الطبعة المحققة في ((شرح المنهج المنتخب)) دائماً يكون فوق صفحة (٤٠٠)، وما دونها فهو يعني ط فاس.

يتكون الكتاب من قسمين ؛ ضوابط، وقواعد، وألحقته بفهرس تفصيلي لمسائله الفقهية، مرتبة على الحروف، ليسهل الانتفاع به. أسأل الله تعالى أن ينفع به طلبة العلم، وهو حسبي ونعم الوكيل لا رب سواه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المؤلف

في تاجوراء ١٣ /ربيع الثاني/١٤٢٢ هـ

9

-

صفحة غير معروفة

القسم الأول - القواعد

11

-

صفحة غير معروفة

القاعدة الأولى

نص القاعدة:

((الغالب هل هو كالمحقق أم لا)) (١).

اللفظ الآخر للقاعدة:

((الظن الغالب ينزل منزلة التحقيق)) (٢)، ((الظن في الأحكام الشرعية كالقطع، وفي أسبابها لا)) (٣).

التوضيح:

المراد بالظن: الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، والظن الغالب أقوى من مجرد الظن، فالظن الغالب: إدراك الطرف الراجح مع طرح مقابله وهو الوهم (٤)، وغالب الظن عند الفقهاء ملحق باليقين، وهو الذي تبنى عليه الأحكام العملية، ووجوب العمل به محل اتفاق حيث لا يوجد قاطع من النصوص، ولا معارض له أرجح منه، وذلك كالظن الحاصل عند سماع البينات والمقومين والمفتين والرواة للأحاديث والأقيسة الشرعية وظاهر العمومات، ومن لم يعمل بغلبة الظن عطّل أكثر الأحكام، قال ابن فرحون: غالب الأحكام

(١) إيضاح المسالك ص ٥٩، قاعدة ١.
(٢) تبصرة الحكام ١٢٩/١.
(٣) عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق للونشريسي ص١٩٤، وانظر إيضاح المسالك قاعدة ١، وقاعدة ١١٣ و١١٤ فيما يأتي.
(٤) الكليات ص٥٤٩.

13

والشهادات إنما تبنى على الظن وتنزل منزلة التحقيق (١).

وقال المقري: المعتبر في الأسباب والبراءة وكل ما تترتب عليه الأحكام العلم، لكن لما كان العلم قد يتعذر أو يتعسر في كثير مما ذكر اكتُفي فيه بالظن لقربه منه حتى إنه سمي باسمه في قوله تعالى: ﴿فإن علمتموهن مؤمنات﴾ (٢).

من تطبيقات القاعدة:

١ - سؤر ما عادته استعمال النجاسة إذا لم تُر النجاسة في فيه ولم يعسر الاحتراز منه، كالطير والسباع والدجاج والإوز المخلّقة، وكذلك سؤر الكافر، وما أدخل يده فيه، وسؤر شارب الخمر، هل كل ذلك نجس لأن الغالب نجاسته، والغالب كالمحقق، أوْ لا يكون نجساً تغليباً للأصل، إذ الأصل أن كل حي طاهر، واختاره ابن رشد.

والمشهور إراقة الماء دون الطعام، لجواز طرح الماء بالشك لسهولته على النفس، بخلاف الطعام فلا يطرح بالشك لحرمته (٣).

٢ - لباس الكافر وغير المصلي، المشهور أنه لا يصلى فيه، ويحمل على النجاسة، تقديماً للغالب، وجعله كالمحقق (٤).

٣ - إذا اضطرب الجارح على صيد وتحفز له فأرسله الصائد دون أن يرى الصيد، فأدركه منفوذ المقاتل، وظن أنه المقصود، فإنه يؤكل بناء على أن الغالب

(١) تبصرة الحكام ١٢٩/١.

(٢) الممتحنة ١٠.

(٣) شرح المنهج المنتخب ص ١١١، والإسعاف بالطلب ص٢٤، وإيضاح المسالك ص٥٩، وجامع الأمهات ص٣٤، ومواهب الجليل ٧٨/١.

(٤) انظر الشرح الكبير ٦١/١.

14

كالمحقق، إذ الغالب أن الجارح إنما وقع على ما اضطرب عليه، لا على غيره، والقول الآخر أنه لا يؤكل إلا إذا تحقق الصائد أن الجارح وقع على ما اضطرب عليه، وجواز الأكل وكراهتُه في هذه المسألة مرويان عن مالك (١).

٤ - من علق طلاق امرأته على الحيض أو الحمل بأن قال لها: إن حضت أو حملت فأنت طالق، فيقع الطلاق عليه ناجزاً في الحال، ولا يؤجل إلى وقوع الحمل أو الحيض، لأنه يغلب على الظن الوقوع إن كانت المرأة ممن تحيض وممن يتوقع منها الحمل وهو يطؤها، تنزيلا للغالب منزلة المحقق، وقال أشهب لا ينجز عليه الطلاق إلى أن تحيض، وهو مبني على أن الغالب ليس كالمحقق (٢)، والحق أن من علق الطلاق على الحمل وهو مسترسل على زوجته ينجز عليه الطلاق، لا من باب تنزيل غالب الظن منزلة المحقق وإن كانت كتب القواعد قد ذكرته فيها، بل لعدم جواز الاستمرار على عصمة مشكوك فيها (٣)، والله أعلم.

المستثنى:

١ - لا يلتفت إلى غلبة الظن إذا أمكن اليقين، كالمكي الذي يقدر على استقبال عين الكعبة، لا يصح منه الاجتهاد بغلبة الظن.

٢ - لا تقبل غلبة الظن بالاجتهاد مع وجود الدليل القاطع.

٣ - المشهور أنه لا يعمل الظان على ظنه في استباحة الصيد إذا اشترك

(١) انظر شرح المنهج المنتخب ص ١١١، والإسعاف بالطلب ص ٢٤، وإيضاح المسالك ص ٥٩، وحاشية البنائي ١٤/٣.

(٢) حاشية البنائي على شرح الزرقاني على مختصر خليل ١١٢/٤، والإسعاف بالطلب ص٢٤، وإيضاح المسالك ص ٥٩.

(٣) الشرح الكبير ٢/ ٣٩٥.

15

الجارح المعلّم مع غيره وظن أن المعلم هو القاتل، ويعمل بظنه في الصلاة إذا ظن الفراغ منها، لأن الظن في الصلاة تعلق بعين الحكم الشرعي، وفي الصيد تعلق بسببه، والظن في الأحكام الشرعية كالقطع، وفي أسبابها لا(١).

٤ - المشهور أن الطعام الذي أكل منه حيوان يستعمل النجاسة، أو أكل منه غير مسلم لا يعمل فيه بقاعدة الغالب كالمحقق، فلا يطرح، لحرمته، بخلاف الماء(٢).

(١) عدة البروق ص١٩٤.

(٢) مواهب الجليل ٧٨/١، وشرح الزرقاني ١٧/١.

16

القاعدة الثانية

نص القاعدة:

«المعدوم شرعاً هل هو كالمعدوم حسّاً أم لا؟» (١).

اللفظ الآخر للقاعدة:

«النهي هل يُصيِّر المنهي عنه مُضمحلا كالعدم أم لا؟» (٢).

«النهي هل يدل على فساد المنهي عنه أم لا؟» (٣).

«المشهور من مذهب مالك أن المعدوم شرعاً كالمعدوم حقيقة» (٤).

التوضيح:

الاعتداد في تقدير الأمور على الحقيقة إنما هو بالشرع، فما اعتدّ به الشرع وأثبته فهو موجود ولو لم يكن له وجود حسي في الخارج، وما أهمله الشرع وألغاه فهو غير موجود، ولو كان ماثلا للعيان، وقد جاء في القرآن تنزيل الموجود منزلة المعدوم لعدم نفعه، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ (٥)، فوصفوا بالجهالة حيث لم ينتفعوا بعلمهم، وقال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ (٦)، فجعلت الآية

(١) إيضاح المسالك ص ٥٩، قاعدة ٢، والإسعاف بالطلب ص ٢٤.

(٢) شرح المنهج المنتخب ص ٣٣ ط فاس.

(٣) شرح المنهج المنتخب ص ١٠ ط فاس.

(٤) قواعد المقري، القاعدة ١٠٩، ٣٣٣/١.

(٥) النساء ١٧.

(٦) الأنعام ١٢٢.

17

الحياة مع الكفر موتا، والإيمان بعد الكفر حياة، مع أن الحياة الحسية موجودة مع الكفر ولكنها كالعدم، لأنها مع الشرك صارت معدومة مضمحلّة.

من تطبيقات القاعدة:

١ - الراعف في الصلاة مأذون له في فتل الدم بأنامل يسراه العليا، وذلك معفو عنه، فإن زاد رشح الدم وفتله المصلي بالأنامل الوسطى، فالزائد يقدر بنفسه مستقلا، إن بلغ قدر الدرهم - على رأي ابن حبيب أو زاد عنه على رواية ابن زياد - قطع المصلي، لأنه صار حاملا لنجاسة غير معفو عنها، ولا ينظر في تقدير الدرهم بما أصاب الأنامل العليا، لعفو الشارع عنها، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً (١).

٢ - من حلف ليطأن زوجته فوطئها وهي حائض، أو صائمة، هل يبر بوطئه أو لا؟ قولان، وذلك أن الوطء في الحيض والصوم حرام، فهو معدوم، فإن نزل منزلة المعدوم حسّاً لم يبر، وإلا برّ (٢).

٣ - وطء الزوجة وهي حائض لا يحلل المبتوتة، ولا يكون به الزوج محصناً، بل يجلد حد البكر إن زنى، ولا تحصل به الرجعة للمطلقة إن نوى به الزوج الترجيع في العدة، ولا تحصل به الفيئة من الزوج المولي، وكذلك لاتحصل الفيئة بنكاح المولي في الصوم، أو الإحرام على المشهور، وذلك كله لأن الوطء محرم شرعاً، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً، فكأنه لم يكن (٣).

(١) الإسعاف بالطلب ص ٢٥، إيضاح المسالك ص ٥٩، حاشية البناني ١٦٧/١، والمقدمات ١٠٤/١، وشرح المنهج المنتخب ص ١١.

(٢) إيضاح المسالك ص ٥٩، والإسعاف بالطلب ص ٢٥.

(٣) الإسعاف بالطلب ص ٢٥، وشرح المنهج المنتخب ص ٣٤.

18

٤ - الحاضر الصحيح إذا فقد الماء لا يتيمم للجمعة ولا للجنازة في المشهور عند المالكية، ولكونه ممنوعاً من التيمم بالشرع صار كفاقد الطهورين الذي لم يجد ماءً ولا تراباً، لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً، وفاقد الطهورين فيه الخلاف المعروف، تسقط عنه الصلاة، أو يصلي ولا يقضي، أو يصلي ويقضي، أو يقضي ولا يصلي، وبناء على الشق الثاني من القاعدة وهو أن المعدوم شرعاً ليس كالمعدوم حسّاً، لا يصلي حتى يتطهر بالماء(١).

٥ - من حلف ليتزوجن فتزوج زواجاً فاسداً(٢)، أو ليبيعن فباع بيعاً فاسداً، أو ليأكلن الطعام ففسد ثم أكله، أو حلف على معصية كشرب الخمر وتجرّأ وشرب، فلا يبر في ذلك كله بناء على أن المعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً(٣).

٦ - من جار في القسم بين زوجاته، فأقام عند واحدة أكثر من غيرها، وأراد أن يرجع إلى العدل، فلا يحاسب من غاب عنها الأيام التي جار فيها عند الأخرى، لأن أيام الجوْر غير معتدٍّ بها شرعاً والمعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً(٤).

واستنبط اللخمي محاسبة المظلومة بما فاتها من قول المالكية فيمن له أربع نسوة، فأقام عند إحداهن شهرين، ثم حلف لاوطئها ستة أشهر حتى يُوَفِيهنَّ حقوقهن ليس بمول إذا قصد العدل، وهو وجيه، لأنهم لولم يعتدوا بالمحاسبة هنا

(١) الإسعاف بالطلب ص ٢٥.

(٢) نقل اللخمي عن ابن القاسم أنه لا يبر، ولو بنى بالزوجة إذا كان النكاح يفسخ قبل البناء وبعده، فإن كان النكاح يثبت بالدخول ودخل حصل البر، وقال غيره: القياس بره مطلقا إن بنى لحصول قصده باليمين وهو إساءتها بمباشرة غيرها، انظر شرح المنهج المنتخب ص ٣٣.

(٣) انظر شرح المنهج المنتخب ص ١١، وإيضاح المسالك ص ٥٩.

(٤) إيضاح المسالك ص ٥٩، والإسعاف بالطلب ص ٢٦.

19