نهى عن نحت التماثيل والتصوير؛ رغبة منه في أن يبعد أتباعه عن كل ما يقربهم لعبادة الأوثان.
3
وقد كتب المستشرقون كثيرا عن تحريم التصوير في الإسلام، وزعم بعضهم أن القرآن حرم رقم الصور وصناعة التماثيل، وهذا باطل لا أساس له. وقال آخرون إنما حرمه الحديث وهذا صحيح، وذكروا أن الشيعة لا تقر حديث التحريم، وبذلك عللوا ازدهار صناعة التصوير في فارس حيث يسود المذهب الشيعي،
4
وهذه مغالطة أيضا. فإن النحت والتصوير مكروهان عند علماء الشيعة كراهتهما عند علماء أهل السنة، وإن كان الشيعيون لا يعترفون بكل ما لدى السنيين من كتب الحديث، فإن لهم كتبا خاصة تشمل ما يعترفون به من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، وفيها ما يوجد في كتب أهل السنة من نهي عن التصوير وإنذار للمصورين بأنهم سوف يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا في صورهم الروح وليسوا بنافخين.
5
ولاريب أن التفرقة بين المسلمين في موقفهم من النحت والتصوير راجعة إلى أن بلاد إيران - وهي كما نعلم أكبر ميدان للتصوير الإسلامي - معروفة بأنها دولة شيعية، ولكن المستشرقين الذين زعموا أن الشيعة لا ينهون عن التصوير ينسون في الوقت نفسه أن المذهب الشيعي لم يصبح الدين الرسمي لبلاد إيران إلا منذ أول القرن العاشر الهجري (السادس عشر) حين اعتلت العرش الأسرة الصفوية، وهم ينسون أيضا أن مثل هذه الكراهية للتصوير في الإسلام لم تكلف العرب كثيرا، فهم لم يكونوا أساتذة في هذا الفن كما كان الفرس الذين ورثوا الميل إليه عن أسلافهم، ولم يكن في طبعهم كالساميين إعراض يكاد يكون فطريا عن هذا الفن، فلم يكن بد من أن يسبق الفرس غيرهم في غض الطرف عن هذه الكراهية، ومع ذلك ظل المصورون مكروهين عند رجال الدين في إيران.
على أن في تاريخ الفن الإسلامي ملوكا وأمراء كثيرين كانوا من أكبر دعاة التصوير ومعضديه دون أن يكونوا شيعيين، فالخليفة الأموي الذي شيد قصير عمرا ببادية الشام وزين جدرانه وسقفه بالنقوش الجميلة،
6
والخلفاء العباسيون الذين زينوا قصورهم في سامرا «سر من رأى» بالنقوش المختلفة الألوان،
صفحة غير معروفة