والتقريب بين لفظيهما؛ لأن ضرب من النظم والتأليف والسجع، يستعمله الخطباء والبلغاء؛ طلبًا للوزن، وترتيبًا للمنطق، فإنما هذا انتقال عن الأصل، وعدول عن الصواب؛ لعارض من العوارض.
وكذلك قولهم: "أيش" إنما غيروه عن الأصل والصواب؛ لأنه كلام يكثر استعماله وقد اجتمعت فيه ياءات وهمزات فخففوه، فحذفوا حرف الإعراب من "أيٍّ" مع إعرابه، وحذفوا الهمزة من آخر شيء، ثم حذفوا الياء التي قبل التنوين؛ لاجتماع الساكنين، فصار أَيْشٍ، ولو فعل مثل هذا بكل ما أشبهه، لفسد كلام كثير.
وأما اختياره نقَمت أنقِم؛ ففيه لغتان: فمن العرب من يجريه على هذا الباب، وهو الأكثر، ولذلك اختاره مؤلف الكتاب. ومنهم من يكسر الماضي ويفتح المستقبل، على ما تتكلم به العامة، وليس ذلك بخطأ، وإنما ذلك لاختلاف اللغات/، وكأنه لما كان معناه معنى ظفِرت أظفَرُ، وسَخِطْت أسْخَطُ، وكرهت أكره، وما أشبه ذلك، استعمل على مثالها، وبنائها، وليس بخارج عن القياس.
وأما اختياره في نطح الكبش ينطِح، ونبح الكلب ينبِح، ونحت ينحِت؛ فإن الفتح في مستقبلها أكثر وأعم في الاستعمال، لما فيها من حروف الحلق، ولكن الكسرة في كلام أهل الفصاحة والبصر بالأبنية وتصاريفها أكثر، وهو الأصل، وكلاهما قياس.
وأما جف يجف، وكل يكِل، وما أشبههما من المضاعف في هذا الباب فكان عين الماضي منه مفتوحًا، فأسكن؛ لاستثقال التضعيف وأدغم، ثم أسكن في المستقبل، وكان حقه الكسر، ولكنه أدعم ليخفف، ونقلت كسرته إلى فاء الفعل. وقياس ما كان من هذا النحو أن يجوز الضم والكسر في مستقبله، كما وصفنا في غير المدغم؛ لأنه صحيح لا تنقلب حروفه، والضم فيه مثل يَرُدّ ويمد، ولكن المستعمل آنس للسمع.
و/اقوله: نكَلَ يَنْكُل؛ ففيه لغتان أخريان: فمن العرب من يكسر الماضي ويفتح المستقبل، فيقول: نكِل ينكَل، على بناء فرِق يفرَق، وفزِع يفزع؛ لأنه في معناهما، وليس
1 / 37