مقدمة المصنف رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا (1) محمد وآله وسلم.
الحمد لله(2) الذي جعل الحديث النبوي العمدة في الأحكام، وبين بالسنة ما في الكتاب من الحلال والحرام، والصلاة على سيدنا محمد الذي أوتي جوامع الكلام، واختصر(3) له الكلام، وقال: "بلغوا عني ولو آية"(4) خطابا للرواة على ممر الأيام، صلاة مشفوعة من السلام بالسلام، وعلى آله الكرام، وصحبه نجوم الظلام، ما روى مسلسل الغيث الغمام، وأبكى على(5) أوراق الغصون حمام، أما بعد:
فإن حفظ الحديث النبوي يرقي إلى أرفع مقام، والاعتناء بمعانيه يوجب الفوز بالسلامة، في دار السلام، وكأن كتاب العمدة للحافظ تقي الدين، أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي(6) بن سرور المقدسي، رحمه الله- تعالى-(7) قد طار في الخافقين ذكره، و- ذاع-(8) بين الأئمة نشره، واعتنى الناس بحفظه وتفهمه، وأكبوا على تعليمه وتعلمه، لا جرم اعتنى الأئمة بشرحه، وانتدبوا لإبراز معانيه عن سهام قدحه (9)، كان من المهم في ذلك بيان نوعين مهمين:
صفحة ٣٥
أحدهما: اعتبار(1) ما فيه، فإن مصنفه رحمه الله قد التزم أن جميع ما فيه المتفق عليه(2)، وقد وجد فيه خلاف هذا الشرط، والتصريح بحمل هذا الربط، فلابد من الوقوف على تمييز ذلك.
الثاني: تحرير ألفاظ يقع فيها التصحيف، ويؤدي بها ذلك إلى التحريف، ولا يجد الإنسان سبيلا إلى عرفانها ولو كشف عليها، ولا في كلام أحد من الشراح الإشارة إليها، والاعتناء بهذا القدر أهم(3) من الأول، لأنه تحرير(4) في الأداء، واحتياط للسنة الغراء، فاستخرت الله في إفراد هذين النوعين، بخصوصهما، وذكرت منهما ما تيسر الوقوف عليه، بعد التنقيب والتهذيب، والله سبحانه المسئول في الإعانة، إنه قريب مجيب، لا مرجوا سواه.
النوع الأول
تبيين(5) ما وقع فيه الوهم بالنسبة إلى التخريج في كتاب الطهارة إلى الصلاة.
صفحة ٣٦
1 (3) حديث عائشة(1) "ويل للأعقاب من النارية"(2) تفرد به مسلم(3) ولم يخرجه البخاري من حديثها(4)، نبه عليه عبد الحق(5) في الجمع بين الصحيحين (6).
2 (4) حديث أبى هريرة(7) "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" (8) هذا لفظ مسلم(9)، ولم يذكر البخاري التثليث(10).
3 (6) حديث أبى هريرة "إذا لغلب(11) الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا"(12) ولمسلم "أولاهن بالتراب"(13) انتهى. كذا (14) رأيته في نسخة عليها خط المصنف(15)، وإنما رواه البخاري بلفظ "شرب "(16) ورواها مسلم أيضا وروى "ولغ " (17) وهذا الذي يعرفه أهل اللغة.
صفحة ٣٧
4 (6) وقوله: وله في حديث عبد الله بن مغفل(1). صريح في انفراد مسلم بهذه الرواية(2)، ووهم ابن الجوزي في كتاب التحقيق فقال: تفرد بها البخاري(3)، وهو سبق قلم.
صفحة ٣٨
5 (8) حديث(4) عمرو بن يحي المازني(5)، عن أبيه(6)، قال:"شهدت عمرو بن أبي الحسن(7)، سأل عبد الله بن زيد(8)، عن وضوء(9) رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فدعا بتور(10) من ماء... " (11) إلى آخره، لفظة التور ليست في شيء من روايات البخاري (12) ، وإنما هي من أفراد مسلم (13) ، وقوله: "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم... " إلى آخر الرواية، من أفراد مسلم (1).
6(10) حديث أبي هريرة، في إطالة الغرة (2) والتحجيل (3)، وقوله: "من استطاع منكم أن يطيل غرته" (4) إلى آخره، هذه رواية، وفي الصحيحين أيضا "وتحجيله" (5) وادعى بعضهم أن قوله: "من استطاع " إلى آخره من قول أبي هريرة، مدرج في الحديث (6).
صفحة ٣٩
7 (18) حديث (1) حذيفة: "كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك" (2) انتهى وعلى هذا اللفظ شرح ابن دقيق العيد (3) ، وفي نسخة أخرى "إذا قام من النوم " وادعى ابن العطار في شرحه أنه لفظ الصحيحين، وهو المذكور في كتاب الإمام بلفظ "النوم " بدل (4) "الليل " وقال: أخرجوه إلا الترمذي (5). قلت: وليس كذلك فقد ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين بلفظ "الليل " (6) وكذا في البخاري هنا (7)، ورواه في كتاب الجمعة بلفظ "كان إذا قام للتهجد من الليل " (8).
صفحة ٤٠
8 (25) حديث (1) أبي موسى، باللفظ الذي أورده (2)، هو للبخاري (3)، ولفظ مسلم "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وطرف السواك على لسانه "(4) انتهى، ولم يذكر الصفة، وكذا حرره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين (5).
صفحة ٤١
9 (22) حديث(1) حذيفة أيضا، في المسح على الخفين ذكره المصنف مختصرا (2)، ولفظه في الصحيحين عنه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سباطة (3) قوم فبال قائما، فتنحيت فقال: أدنه، فدنوت منه حتى قمت عند عقبه، فتوضأ"(4) زاد مسلم "فمسح على خفيه "(5) قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: ولم يذكر البخاري في روايته هذه الزيادة، وعلى هذا فلا يحسن من المصنف عد هذا الحديث في هذا الباب من المتفق عليه(6).
صفحة ٤٢
10(23) حديث(1) علي(2) في رواية البخاري "اغسل ذكرك وتوضأ"(3) انتهى، والذي أورده البخاري بلفظ "توضأ واغسل ذكرك " وترجم عليها باب غسل المذي والوضوء(4) ورواية مسلم "توضأ وانضح فرجك " (5) استدركها عليه الدارقطني فإن فيها انقطاعا(6) جمع استدراكاته.
11(28) حديث أبي هريرة في باب الجنابة(1) ، في أوله انقطاع(2) في رواية مسلم ذكره المازري في المعلم (3)، ووصله البخاري(4) وغيره.
12(38) حديث جابر(5) "أعطيت خمسا- إلى أن قال:- وبعثت إلى الناس كافة"(6) هذا اللفظ للبخاري(7) ولم يروه مسلم كذلك، إنما رواه بلفظ "وبعثت إلى كل أحمر وأسود"(8) ولعل المصنف اغتفر ذلك ظنا منه ترادفهما، وقد يفرق بينهما بما تعطيه الصيغة من كل واحد منهما.
صفحة ٤٤
على أن رواية مسلم أقوى في نظر الحديثي(1) ، لأنه رواها عن شيخه يحيى بن يحيى، عن هشيم، والبخاري روى لفظه عن محمد بن سنان، عن هشيم، ويحيى أجل من محمد بن سنان، فهي رواية يقدم الحافظ لها على من روى بالمعنى.
صفحة ٤٥
13(40) حديث عائشة "أن أم حبيبة(1) استحيضت، فأمرها أن تغتسل لكل صلاة"(2) انتهى. غسلها لكل صلاة لم يقع بأمره صلى الله عليه وسلم، كما بين في رواية مسلم ولفظه "فأمرها أن تغتسل، فكانت تغتسل لكل صلاة"(3) وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين(4).
صفحة ٤٦
14(43) حديث معاذة(1)، عن عائشة "كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"(2) انتهى. ولم يذكره البخاري بهذا اللفظ، وإنما أورده بلفظ "قد كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يأمرنا به، أو قالت فلا نفعله " هكذا أورده البخاري، وليس فيه "فنؤمر بقضاء الصوم"(3) وإنما هذا السياق الذي أورده المصنف لمسلم(4) ، وأيضا فإن البخاري لم يذكر أن السائلة معاذة. بل ساقه من جهة قتادة، عن معاذة "أن امرأة قالت لعائشة: أتجزئ إحدانا صلاتها إذا تطهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله "(5) هذا لفظه، وهو قريب لأن رواية مسلم بينت(6) أنها هي السائلة(7).
15(52) حديث أبي سعيد الخدري(8) "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس"(9) هذا لفظ البخاري(10) ، وإنما لفظ مسلم(11) "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع "(12) ورواية البخاري محمولة على هذه، ولو ذكر المصنف رواية مسلم كان أولى.
قوله: (وفي الباب...) إلى آخره (13).
صفحة ٤٧
هذا تابع فيه الترمذي، لكن المصنف قد توهم(1) أن ذلك كله متفق عليه، وليس كذلك، وإنما اتفقا على حديث ابن عمر(2)، وأبى هريرة (3)، وانفرد مسلم بحديث عائشة(4) ، وابن عبسة(5) ، وأخرج أبو داود حديث علي(6)، وأخرج ابن ماجة حديث الصنابحي(7) ، وأخرج الطبراني حديث ابن العاص(8) ، وزيد(9)، وابن مرة(10)، وأخرج الطحاوي(11) حديث سمرة.
قوله: (والصنابحي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، هذا نقله الترمذي عن البخاري، قال الترمذي في حديث الوضوء: سألت البخاري عنه فقال: عبد الله الصنابحي (1) ، وهو أبو عبد الله الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه مرسل(2)، انتهى.
ولما رأى المصنف حديثه في النهي عن الأوقات في سنن النسائي من جهة مالك، وسماه عبد الله (3)، وفي سنن ابن ماجة، وسماه أبا عبد الله(4)، قطع بذلك، لكن جاء في مسند أحمد التصريح بالسماع فقال:
صفحة ٤٩
حدثنا روح(1) قال: نا مالك(2) وزهير بن محمد(3) قالا: نا زيد بن أسلم(4)، عن عطاء بن يسار(5) قال: سمعت عبد الله الصنابحي(6) يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تطلع الشمس بين قرني الشيطان"(7) - ح - ونقل البيهقي في السنن الكبير (8)، عن عباس الدوري(9)، سمعت يحي بن معين يقول: يروي عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، صحابي، ويقال أبو عبد الله، والصنابحي صاحب أبي بكر، عبد الرحمن بن عسيلة(10)، انتهى فجعلها اثنين (11)، وإلى هذا مال أبو الحسن بن القطان(12)، وغيره.
16(66) حديث أنس بن سيرين(13) "حين قدم من الشام "(14) هذه رواية البخاري(15) ، ورواية مسلم "حين قدم الشام " بإسقاط (من)(16) قال القاضي عياض: وقيل: إنه وهم، وأن الصواب إثباتها كما رواه البخاري(17)، وخالفه النووي وقال: رواية مسلم صحيحة، ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام(18).
صفحة ٥٠
17(69) حديث أنس بن مالك(1) "أن جدته مليكة(2) دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم..."(3) إلى آخره.
ما صرح به من أنها جدة أنس بن مالك، خلاف المشهور(4)، وذلك أن الحديث يرويه إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة(5)، عن أنس، فالضمير في جدته يعود إلى إسحاق بن عبد الله، وهي أم أبيه، قاله (6) الحافظ أبو عمر(7) بن عبد البر (8)، والقاضي عياض (9)، والنووي(10) - رحمهم الله - (11) وغيرهم.
صفحة ٥١
فكان ينبغي للمصنف أن يذكر إسحاق ليعود الضمير عليه، فتكون (1) أم أنس، لأن إسحاق ابن أخي أنس لأمه(2)، ولما أسقط المصنف ذكر إسحاق لم يبق للضمير مرجع لغير أنس(3)، نعم قال غير أبي عمر: إنها جدة أنس أم أمه، وهي جدة لإسحاق أم أبيه، قاله أبو الحسن بن الحصار(4) في تقريب المدارك(5)، وعلى كل حال فكان ينبغي للمصنف إثبات إسحاق ليخرج من الخلاف(6) ، وقد روى النسائي من جهة إسحاق بن عبد الله "أن أم سليم سألت رسول الله أن يأتيها... " (1) الحديث.
18(71) حديث(2) أبي هريرة "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام، أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار" رواه البخاري بلفظ "يجعل"(3) فيهما، وكذا ذكره الحميدي في جمعه بين الصحيحين(4)، وذكره المجد بن تيميه(5) في المنتقى بلفظ "يحول"(6) فيهما، وعزاه لرواية الجماعة، والمصنف ذكره في الأولى دون الثانية(7).
صفحة ٥٣
19 (74) حديث عبد الله بن يزيد، الخطمي، الأنصاري(1) قال: "حدثني البراء(2)، وهو غير كذوب... " إلى آخره.
صفحة ٥٤
ظاهره أن القائل (وهو غير كذوب) هو عبد الله بن يزيد، والضمير للبراء، وليس كذلك، بل قائله أبو إسحاق السبيعي(3)، في عبد الله بن يزيد، فإنه الراوي عنه(4)، فكان ينبغي للمصنف أن يقول: عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن يزيد، وقد سبق نظيره في حديث أنس(5) هكذا قاله الحفاظ، يحيى بن معين(6)، وأبو بكر الخطيب(7)، والحميدي(8)، وابن الجوزي(9)، وغيرهم. قال يحي بن معين: لأن البراء صحابي لا يحتاج إلى تزكية، ولا يحسن فيه هذا القول(10)، وأما النووي فلما حكاه عن يحيى بن معين قال: هذا خطأ، والصواب عند العلماء أن القائل: (وهو غير كذوب) عبد الله بن يزيد في البراء، ومعناه تقوية الحديث، وتفخيمه وتمكينه في النفس، لا التزكية، ونظيره قول ابن مسعود: "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق "(11) وأيضا فعبد الله بن يزيد صحابي أيضا، فالمحذور الذي تخيله ابن معين في البراء مانعا، موجود فيه أيضا(1)، وعلى هذا فكلام المصنف مستقيم، لكن لو ذكر أبا إسحاق لكان أحسن، لاحتمال الكلام الوجهين(2) معا فيخرج من الخلاف، وقد سبقه إلى ذلك الحميدي في الجمع بين الصحيحين(3).
صفحة ٥٥
وفي سؤالات الآجري قلت لأبي داود: عبد الله بن يزيد الخطمي، الأنصاري؟ قال: له رؤية يقولون. قال أبو داود: وسمعت يحي بن معين يقول هذا. وسمعت مصعب الزبيري يقول: ليس له صحبة (1). قال: وهو الذي قتل الأعمى(2) أمه، وهو(3) الطفل الذي سقط بين رجليها(4) - التي- (5) سبت النبي صلى الله عليه وسلم(6).
صفحة ٥٦
20(76،77) حديث أبي هريرة "من أم الناس فليوجز"(1) هي رواية مسلم(2) وقال البخاري: "فليتجوز"(3) قوله: "فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة" ولم يذكر البخاري(4) "ذا الحاجة".
21 (79) حديث عائشة "في الاستفتاح في الصلاة"(5) قال ابن دقيق العيد: سها المصنف في إيراده في هذا المكان فإنه مما انفرد به مسلم عن البخاري(6).
22 (87) حديث أبي قلابة(7) قال: "جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا"(8) الحديث. هو من أفراد البخاري(9) قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين:
صفحة ٥٧